expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

السبت، 21 نوفمبر 2015

خطر

أخاف الناس الذين يحتضنوني بقوة، الذين يقبلوني بشغف وتلتمع أعينهم لرؤيتي.  أخشاهم و هم يعقدون عليّ الآمال و يتفاؤلون بي.  أرتجف أمام ثنائهم و يتراءى لي مديحهم كمِنجل ملاك الموت.
لقد سبق لي أن كنت مثلهم. اقدم التحية العسكرية للصور، أقبّل يد القسيس في الشارع و انتظر الخلاص في الوجوه الوديعة للاطفال. ككل أبناء المحاضرات الحزبية التوعوية، كجموع مرتادي التعليم الديني و كأطفال الكشافة ... كنت انتظر.
كلنا كنا ننتظر.  نترقب و نعاين الطرق. نترقب عناوين نشرة الاخبار وأرفف المجمّعات الاستهلاكية. كنا انقياء كطفل حديث الولادة.  و كنا عاجزين مثله.
لعلنا أو لعلي لم انفع سوى في هذا. الانتظار. اصبحت احترفه و أبيعه و أتربح به. ثم توقف كل شيء. بالأحرى تحرك كل شيء. او انني اكتشفت حركته؟ تنبهت و كففت عن الانتظار و بدأت أعاين؟
حسناً فلنقل ان الامر اتخذ بعض الوقت قبل ان استنتج ان المعلمة كانت تكذب علينا بشأن توزيع المرحى للذين يلتزمون بالهدوء. كان أبناء المعلمات يقتسمون الثناءات و الامتحانات المغشوشة. لم تصلني أبداً الهدية التي وعدتني بها الراهبة لالتزامي بالحضور و لم يهنئني أبي يوماً على شيء.
و هكذا اكتشفت خطر ان تنتظر. ان تتأمل و ان تصلي.
و خطر ان تشتاق.


اختناق

"لقد انتهيت للتو من قراءة رواية الرمال الزرقاء،  المقدمة اعجبتني جداً و طريقة سرد الاحداث.  كان هناك بعض البطء في الجزء الاول و الكثير الكثير من التفاصيل..."
كاد يرمي الهاتف أرضاً من غيضه قبل ان يهرب من شعور الاختناق الذي باغته بالنظر نحو ابراهيم الذي كان يشرح باستفاضة رحلته إلى أسوان ظمن فريق تصوير. كان ابراهيم مملاً و ملماً. كان الجلوس معه هروب بامتياز.
عند عودته فجراً للبيت و ما ان وقعت عيناه على المزهرية الصيني حتى عاوده شعور الاختناق و كاد ان يعود للشارع لولا ظهور أبيه في طرف الممر متجهاً نحو الحمام.
 بأي مناسبة تعرف اليها؟ قال لها كلمة او اثنتين مادحاً جمالها؟ ما الذي اعجبه بالظبط؟
- انت كنت فرحان كطفل يتلقى دراجة في عيد ميلاده، اتهمه صديقه.
- ولا زلت، ردّ مدافعاً.
تبعث له من جديد. تنتظر منه ان يناقشها في رواية سبق له و ان تحدث عنها و كتب حتى نقداً بديعاً حاز على اربعة نجوم و نصف في موقع القراءة الجيدة. لايكمن الضرر في اختلاف اراءهما، بل في ثقته الكاملة بأنها لاتملك رأياً. في تزلفها له. في اختراعها لاسباب للحديث إليه. في ادعاءها الثقافة و الاطلاع بل و الاهتمام بكل ما ينظر إليه.
- وما المشكلة في ذلك؟ انها تحاول التقرب منك.
- انها تخنقني، تصطبغ بلوني.
-و هل هناك من ينزعج من محاولات صاحبته التلون به، رؤية العالم بمنظاره،  التأثر بشخصيته و التقرب منه حتى على صعيد الافكار؟
نهض من مكانه منتفضاً وتقدم خطوتين نحو شباك الغرفة التي كان يتخذها ابراهيم مكتباً و غرفة نوم له قبل ان بتوقف من جديد محتاراً تائهاً.
-اللعنة، صاح غاضباً،  كيف لها ان تتأثر بي و انا نفسي لا اعرف من انا؟ انها تسجنني في خانة صغيرة لا استطيع الفكاك منها. تصبغ عليّ اوصافاً و مؤهلات لا أملكها.
في مكانه في وسط الغرفة الرطبة شعر ان عليه ان يقول شيئاً ما:
- انها تسممني، تسممني...
مضت لحظات طويلة قبل ان يقرر إبراهيم بالرد نافثاً دخان سيجارته اللف:
- بل قل انك مللت صحبتها يا مارق..


الجمعة، 23 أكتوبر 2015

الأحد، 13 سبتمبر 2015

حديث الغُرف المسكونة

يأتيني صوت ضحكته الساخرة أثناء حديثه في الهاتف...

هذه ليست خاطرة

قشور الفستق السوداني مكوّمة فوق بعضها في علبة بلاستيك شفافة استعملتها كأناء،  تذكرني بصورة أجساد عارية لضحايا أحد معسكرات الاعتقال النازية.
عوراتهم مكشوفة للهواء و الذباب و لكاميرات التصوير.

هذه ليست خاطرة

عم بتشتي بمونتريال
تشتي :فعل تمطر،  لكني لا أستعمله إلا لوصف المطر الخفيف الشبيه بالرذاذ المنبجس من ثقبٍ صغيرٍ في خرطوم مياه السقي في الحديقة فيفاجئك ببرودته و وجوده. وهكذا "عم بتشتي بمونتريال"  تصف الحالة الشعورية العامة واليقين بأن أوقات اللعب و المشاوير بالصندل واكتشاف الشوارع الجانبية والتعرف على أشجار الحديقة العامة وطيورها قد انتهى. وأن الشتاء قادم.

هذه ليست خاطرة

لم أعد احتمله

هذا قرار

الاثنين، 3 أغسطس 2015

المسكين

عليّ أن أحدثك أيها المسكين.  
عن العالم. 
أنت هنا في عزلتك تنقصك الحقائق.  
تنقصك المفاهيم.
هل تعلم؟  أوه لا اعتقد أنك تعلم.  كيف لك ان تعرف ما أقصده،  انت الذي لم يعيش أبداً مع البشر؟
هل تعلم كم يجرحني فقدان أوفيليا؟ أن تلتقي بشخص، تتحدث معه عن ما يقلقك و ما يبهجك؟ تمضي معه في طريق طويل؟ تتوهان؟ هههه، كنا نتوه دوماً.  أوفيليا كانت تتهمني بأني لا أعرف الطرق وأنا كنت أتضايق.  لم أكن أزعجها بالرد على غضبها.  لكني كنت أتضايق.
نعم.  
رحلت اوفيليا كما جاءت. 
فجأة و من دون أدنى تحضير. من جانبي على الاقل.
في بعض الأحيان أصاب بالجزع.  
أشعر بالخواء و بأنني في حلم طويل،  بل كابوس غريب. كابوس بالألوان. ذلك ان أحلامي ليست بالالوان.  اقصد الاحلام الحقيقية تلك التي نراها و نحن نائمون.
هه؟  هل تحلم أنت؟  أنت الساكن هنا في جذع هذه الشجرة؟  المحشور هنا؟ قل لي بربك كيف وصلت إلى هنا؟ و كيف لازلت على قيد الحياة؟
من المؤسف أنك أعمى. كنتُ سأمدّ ذراعي من هذه الحفرة المجوفة بفعل نقّار الخشب و أريك صورة أوفيليا.  لازالت لديّ.  في محفظتي.  لم تكن قبلاً في محفظتي. لم أكن أحب حمل الصور. لكن منذ أن قررَت الرحيل،  أخذت صورتها. قصصتها من بطاقة التأمين الصحي القديمة و حملتها في محفظتي.
هه،  هاهي... و هذه صورة أمي.  قلت لك أني لا أحب حمل الصور لكن هذه الاخيرة أمي كانت تشير عليّ بحملها في محفظتي. قالت ان تداورس ابن اختها يحمل صورة أمه في محفظته.
لقد عشت طويلاً مع أمي،  كنت و لازلت أعاملها برفق.  دوماً عشت مع هاجس أنها سترحل عن هذا العالم و أني لا أريد أن أكون السبب في ذلك.  دوماً عشت مستعداً  لفرضية وفاتها. هي و أبي..  
لم اتخيل و لو للحظة أن أوليفيا هي من سيرحل...
لا إنها لم تمت... لكن ما أصابها هو أصعب من الموت. لقد تغيّرت عنّي،  ابتعدت.
هل تعلم يا مسكين؟  هل تعلم صعوبة ذلك؟
أنت وحيد، نعم.
لكني أنا، أنا متروك. 

الأربعاء، 24 يونيو 2015

مباراة

" كنتِ لازم تعرفي ان الموضوع مش جد من طريقة كلامه بالتلفون.  نبرة صوته كانت بتشي بإحراج بالغ."
كانت تحدث نفسها و هي تتمشي بين موائد الكوفي شوب لتصل لأكثرها عزلة. لم يكن موجوداً بحسب الموعد الذي اتفقا عليه. 

" مش لازم اتأخر اكتر من كده. عيب. "
كان يحث الخطا في المجمع الاستهلاكي الواسع حتى أنه كان قد بدأ يلهث عندما دلف للكوفي شوب و لمحها بعيداً تتأهب للجلوس و قد شدت بيسراها على طرف جاكتها القصير بقماشه المطبوع بورود زهرية. 

" خسارة ما لحقتش اقارن طولها و اشوف جسمها "
ابطأ من حركته و بحركة غير واعية رفع بنطاله ليعدله. 

" اوه الارشيدوق وصل" 
قالتها لنفسها حالما رفعت رأسها و شاهدته يقترب بخطواته السلسة و هو يوظب نظاراته الشمسية في جيبه و ينظر نحوها مباشرة بثقة و كياسة.  كانت هي من اختار الموعد الباكر. فلا خشية من ان يسمع جيران الطاولة الاحاديث الخاصة و لا رهاب ان يستدل عليك احد الاقارب و الاصدقاء الكثر و يفسد عليك الجلسة او ينشر اخبارا غير حقيقية مملؤوة بالظنون و التنبؤات. 

" هي مغرورة.  باين عليها كدا.  و تلاقيها بتدور على حكاية تحكيها لصاحباتها او تنشرها بصفحة غرائب العرسان. اما نشوف يا حيلتها"
مد يده يسلم عليها فبدت للحظة مرتبكة و كأنها لم تتوقع ذلك قبل ان تمد يدها مصافحة بثقة و ابتسامة رسمية سريعة. 

" ايه ده؟ ده بيسلم.. "
ثم و بعد ان استأذنها بالجلوس
" و مؤدب كمان؟ امال اتأخرت ليه يا جنتلمان؟ "
هزت رأسها بخفة متفهمة  لاعتذاره عن التأخير قبل ان تنتبه لتموضع ذراعيها على الطاولة و الذي قد يوحي بأريحية كبيرة تجاهه فسحبتهم بهدوء لتثبّت تهدلاً متخيلاً لحجابها ثم اعتدلت مبتعدة عن الطاولة و قد جذبت ظهرها للخلف مستندة على الكرسي و شبكت يديها في حجرها. 

" مش مغرورة لأ.  شخصيتها قوية.  او ذكية.... بس انفها مش حلو.  كان لازم تعمله عملية. "
رفع ذقنه عاليا و هو يدعوها لشرب شئ و منع بصعوبة نفسه من تكرار الجملة اذ لم يتوقع انها توافق بسرعة و تطلب بثقة شيئا غاليا.  في لقاءاته القليلة مع فتيات بهدف التعارف كان عليه ان يلح و يلح لدرجة انه اخر مرة و بكل شر طلب لنفسه فقط لتذوب الفتاة الخجولة الجالسة مقابله مرارةً و إحساساً  بالخيبة. 

" ايوة يا بيبي انا اموت في البعزقة و بقولك ايه ده انا كمان هاشرب يا دوب شفة و بعدين اقول انه ما عجبنيش... جاي حضرتك تضحك عليا؟ لو مش عاوز تتنيل تتعرف او تتجوز بلاش تستهزأ ببنات الناس"
كان وجهها يزداد حرارة و يديها رجفة و غضبها احتقانا و استجمعت كل قواها لتمنع نفسها من تهزيقه. كان شعورها بأنها وقعت في فخ يزداد مع كل حركة لباقة متصنعة يقوم بها و تزداد إدراكاً انه لم يقبل مقابلتها إلا انصياعاً منه لرغبات خالته، رفيقتها في عضوية مجموعة العمل التطوعي. 

" البنت ديه مش سهلة.  امال عاقلة و لطيفة و روحها حلوة ازاي؟ كده يا خالتو نعمت؟ ده انا كنت حرمت الكلام ده من تحت راس عمايل ماما تقومي تلبسيني بواحدة بايرة و عصبية؟ "
قدم لها الكوكتيل بحركته الرياضية المتناسقة و ابتسامته التي لم تتغير ثم ،و لفتح باب الكلام، بدأ يسألها بتهذيب عن احوالها و شغلها. 

" ايوة.... ابتدينا... الفلوس مش كده؟ شوف يا عم أنا لولا التقاليد اللي بتقول ان الشاب يعزم البنت في أول لقاء كنت دفعتلك ثمن ركنتك و بنزينك كمان... أنا بنت مستقلة و أمي تحلف عليا علشان اقبل منها هدية "
بدأت تستعرض امامه، بأدب و جمل قصيرة تتخللها ابتسامات رقيقة،  دراستها و عملها و تشكره على ثناءه قبل ان تدير دفة الحديث عنه. 

" مش هتاكلي عقلي بشوية الكدب بتاع انجازاتك ده؟  احنا مش في مقابلة شغل... تلاقيكي مفصولة من شغلك و قاعدة في بيتكن تشحتي من اخواتك"
لم يفهم لماذا بدأ حديثه عن طفولته ثم شبابه و عمله. حاول استدراك الخطأ الغريب بجملة كوميدية عن انه مش بيخبي حاجة.  ضحكته كانت اقرب للاستهجان قبل ان يكمل حديثه المنقبض. لكنها ضحكت.  جملته الكوميدية الخفيفة جعلتها تضحك ضحكة خفيفة بدون شياكة لكنها كانت حقيقية.  توقف فجأة و قد بدأ يتفحصها بشكل اكبر و كأنها تنبهت لنظراته عادت بسرعة لجمودها و تمثيلها. 
سألها مباشرة إن كانت ستشرب الكوكتيل أم أن الموضوع بعزقة و خلاص و عندما قفز الشرر لعينيها اللامعتين استدرك و قد مال نحوها ان هناك اختيار ثالث و هو ان تدلقه في وجهه.
عادت تضحك بشكل اكبر هذه المرة و قد اشاحت بوجهها و اخفت فمها بيدها المزينة بخاتم ذهبي صغير وحيد في السبابة. يد طرية ناعمة لم يكن ليصدق انها نفسها اليد التي سلمت عليه قبل قليل بكل ذلك الحزم و الثبات. 

حدثته بوجهها الحقيقي لأول مرة قائلة: « انت فديك الساعة لمن ماتموزيل شيك زيي تدلق عليك كوكتيل متكلف 150 جنيه؟» 
« مش هازعل لو انتي اللي دافعة ثمنه» ردّ عليها بإصرار محموم و كأنه يتمنى فعلاً ان تنفجر في وجهه فتحرقه لكن ردة فعلها كانت اذكى مما توقع. 
« ماشي لو كان الموضوع ده هيقدملك مبرر كافي قدام طنت نعمت لمن تقولها اني مش عجباك» 
كانت تتحدث بثبات و جدية ملفوحة بسخرية قديمة جعلته يندم علي جوابه الغبي غير التكتيكي و يبحث بيأس عن مخرج. 
« أصلي شجاعة و احب مساعدة البائسين» اكملت جملتها و هي تقف بإباء و قد سحبت حقيبتها الصغيرة. 
بقي جالسا و قد اصابه خدر إدراك الخسارة، يحدق بجسدها و يراقب حركتها الخفيفة المدروسة و هي تبتعد خارجة. 

بعد دقائق أدار رأسه عن مدخل الكوفي شوب الفارغ و لملم شتات جلسته:
" رجليها رفيعة "، قال لنفسه محاولا مداراة الفراغ الذي احاط به فجأة ثم سحب كأس الكوكتيل و بدأ يرتشفه ملكوماً. 

الثلاثاء، 26 مايو 2015

الذيب

لم تبدو على وجهه اي علامة على الاندهاش لذا تخيلت انه كان يراقبها منذ دخلت الشارع. ابتعد عن الباب متجها للصالة و قد رفع ذراعه قليلا كأنه يدعوها للدخول. 
" لا زال يحتفظ بهذه البيجاما " قالت في نفسها.
لم تكن لتزوره لولا ان ابنها اخبرها عن مرض ابيه. وجدت من الكياسة أن تعوده و تتمنى له الصحة. وضعت أصيص النبتة الخضراء الصغيرة على طاولة الصالون المنخفضة  لكنها لم تجلس. كان هو في المطبخ يعد الشاي. عندما عاد للظهور و في يده كوب قدمه لها، جاءتها ذكرى الايام الماضية حيث كان يحضر الشاي لها، معه، بعد الغداء و يقدمه لها بينما كانت هي تقلب في كتبها. 
" إياك ان تسمحي له بشدك للعبة المجنونة التي يلعبها، كانت تقول لنفسها و هو تنظر إليه ببرود، هذا الاسلوب البغيض الذي ما فتأ يستعمله و يكرره في كل حروبه . اسلوب المخنثين ممن يدعون انفسهم بالفرسان، بالضحايا، بشهداء الحب. لم يحبك يوماُ."

كان عليها ايجاد شئ تقوله, شئ يبدو حياديا لكن محمل برغبة في المساعدة. كان سيرفض كالعادة فهو ليس سوى تيس عنيد يرفع ذقنه عاليا كأنه يترفع عن النظر لمن هم حوله. ينفخ صدره كالمقاتلين و يحرك كفيه المفتوحين و كأنه يخشى التقاط احدى ميكروباتك. توقُعها لكل تصرفاته و اقواله و تحركاته اوقعها في فخ الصمت. كانت تقرأه و تتوقع تصرفاته و لم تكن التغييرات التي نقلها اليها ابنها سوى محاولة منه, من الاب, للمراوغة و ذر الرماد في العيون. 
خرجت بعد اقل من عشر دقائق متجهة للمكتبة العامة التي لن تغفل عن زيارتها. الكثير من الاشياء تغيرت في المنطقة لكنها لازالت تشعر بفيض من الفرح في كل مرة تزورها. لم تشعر بذات الشئ عندما رأته، كان و لازال طارئا في حياتها رغم كل السنين التي قضوها و الابناء و العمل و العائلة. 
سيقولون انها تخلت عنه. سيقولون انها لم تعتني به. هؤلاء الحمقى يحبون المظاهر الخادعة، يفضلون زوجة خائنة تصتنع الاهتمام بعائلتها و بسخافاتهم التي يرددوها، بامرأة تحضر كل القداديس و الاعياد لكنها تشتم بقبيح الالفاظ، بنتا تهاجم الشباب بعينيها الشبقتين و تقيم العلاقات في الخفاء. لكن ان تصبح امرأة مستقلة ترفض نخاسة الزواج الكنسي و مظاهر الطيبة السخيفة فلا. أرادوها صامتة لا تعكر رؤيتهم السخيفة الطفولية للعالم المثالي حتى لو باعت روحها للشيطان. 
توقفت امام المكتبة محاولة التنفس بعمق: " كفّي عن التفكير في كل ذلك، لا تسمحي له و لهم بتسميم حياتك، انظري دوما لنفسك، كوني ذئبا مع الخواريف المخصية و التيوس العنيدة."
رفعت رأسها تستقبل النسيم العليل ثم شدتها لافتة لمكتب مستشار قانوني. ابتسمت ثم اتجهت نحوه. 
" اعتقد انه لم يغير وصيته منذ أن قررنا الانفصال."

الاثنين، 25 مايو 2015

حكاية عائلية

"لن أسمع بعد هذا كل تلك الترهات. كل ذلك الألم المصاحب للخوف من الآتي. لقد ذهبوا بكوابيسهم لتبقى وجوههم معلقة في زوايا الرأس، أتعثر بها و أجفل، فتذهب عني أفكاري و يلازمني الهمّ."

في كافيه "شتورة" الصغير الواقع على شارع الكوت فيرتوه في غرب مدينة مونتريال, اجتمعت نائلة بصديقتها و قريبتها لطيفة و تبادلت السيداتان التي قارب عمرهما الستين أطراف الحديث مع فنجان قهوة تركي، كما يسميه الغربيون متواطئين بذلك في أكبر سرقة تراثية لمجتمعات الشام، قبل ان تبدأ نائلة بمزاولة عملها من تنظيف وتوظيب للمقهى. المقهي كان لابنتها و زوجها قبل ان يبيعه هذا الاخير بسبب مرضه و لتبقى هي تعمل فيه صباحاً في محاولة لكسب القليل من المال وكشرط من شروط الصفقة قبل ان يتطور الامر ليترك لها فارس، صاحب المقهي الجديد، المكان بقذارته لتفهم من ذلك ان بقاءها بعد مضي سنة مرهون بقيامها بأعمال اضافية. 

- ما الذي كان عليّ فعله؟ هاه يا لولو؟ قولي لي بربك؟
- خلصينا من هالقصة.

هكذا كانت لطيفة تنهي الحوار المعتاد قبل ان تبدأ بالتقليب في منشورات الاعلانات التجارية. ركزتا على تلك الخاصة بالمحلات العربية وتناقشتا حول اسعار الفول الاخضر و البازلاء، قدمت لطيفة تقرير أخير عن حالتها الصحية المعقدة ثم تناقشتا سريعاً حول أخر الأخبار.
كانت الساعة تقترب من الثانية عشر ظهراً عندما خرجت لطيفة أخيراً وهي تتكأ على عكازها بيمناها وبيسراها تحمل جزدانها و كيس مملوء بأدويتها التي اشترتها تواً من صيدلية خوري التي تقع في الشارع ذاته. أشعة الشمس القوية رغم برودة الجو تنعش عظامها المتكلسة وتسرقها قليلاً من أشباحها، الصبا الواعد، الزواج والخيبة، الحرب والهروب الكبير لكندا، البنتين المستقلتين عنها ومنها، الرجل الذي ابتعد وهي على مشارف الستين والمال القليل. معاش التقاعد الذي سعت إليه طويلاً يكاد يسد نفقاتها القليلة و ما كانت تحلم به من راحة مستحقة بعد كل الكدح والعمل لم يكن من الراحة بشئ. 
قصّت عليها نائلة هذا الصباح كيف ان طوني ابنها الذي يعيش في فرنسا قد قرر فجأة الانفصال عن زوجته الفرنسية. 
- ليه عمل هيك يا ربي؟! المجنون، ألم تقولي لي انه يعمل في البنك الذي يترأسه ابيها؟
- هأ، قالت نائلة هازئة، حظي و نصيبي، قبل انت تضيف وهي تعض على شفتيها، أهبل.

نعم أهبل, رددت لطيفة في نفسها و هي تعاين انعكاس صورتها على زجاج البناء المقابل. امرأة لا تعرفها هذه التي تحمل عصاها و كيس أدويتها. امرأة معدمة ومتعبة كلاجئي مخيم الشياح. كل تلك الدهون والظهر المنحني والوجه المتعب والشعر الاشيب. التدهوّر الأخير لصحتها جعلها تنسى الإعتناء بنفسها وصبغ شعرها. 
تذكرت طلاقها الذي لم يمض عليه عام.
كيف حبست في أعماق روحها كل ذلك الألم طوال تلك السنين قبل ان يتفجر أخيراً في خضم مشاكل بيع بيت العائلة في الرملة؟!

جاءتها صورة طوني المنبثقة من حديث أمه عنه. هذا الانقلاب المنتظر لرجل بلا أخطاء، عيوب أو لحظات عثرة. ما الذي جعله ينقلب فجأة على مستقبله المرصوف بالعلاقات و النجاحات الشخصية؟ على بيته الجميل في إحدى ضواحي مدينة ليون؟ على زوجته مديرة فرع محلي لشركة الجبنة المشهورة؟ 
و ما الذي جعلها هي بالذات تنتظر هذا الحدث و تتوقعه؟
هل قابل طوني، هو أيضاً، شبحاً ما.  خيال مآتة مركون في احدى خبايا الروح. تعثر به فجأة و تطلع إليه في ضوء تجاربه وحياته و واقعه. هل خاف منه؟ هل حاول الهرب؟ أم اقترب و تلمسه؟
 هل كان فزّاعة قماشية حقاً؟ شيئاً ميتاً؟ ام ان الحياة لا تزال تسري في عروقه؟ أغلب الظن انه لم يكن ميتاً. 

توقفت لطيفة مجدداً على طرف الرصيف تنتظر دروها في المرور. الفتاة التي كانت تسير بمحاذاتها لم تتوقف إلا قليلاً مترددة قبل أن تجتاز الشارع مسرعة نحو الرصيف المقابل مما جعل سائق السيارة البيضاء يتمهل و يرفع يده في الهواء معلناً تبرمه من تصرفها الأخرق.
العالم مقسوم لقسمين: أولئك الذين ينتظرون دورهم وألاخرون. لا، لا يا لولو!. هزّت رأسها معترضة. لا أيتها الختيارة البشعة، العالم مقسوم قسمين: أولئك من لا يترددون، لا يترقبون الآتي، و الأخرون.
تعيشين على الطرف الآخر يا لولو، حيث الأخرون. تؤجلين احلامك حسب الظروف، تهربين من الأخيلة الباهتة في نفسك، و تراقبين بصبرٍ مؤلم مرور الأيام.

 في المقهى كانت نائلة ترد على زبونين مستعجلين عندما قطّبت جبينها فجأة ثم سقطت على الارض فاقدةً الوعي.
لن تعرف أبداً أن طوني ابنها قد قرر إعلان مثليته. لن تشاهد الفيديو الذي أنتوى إرساله لإفراد عائلته شارحاً لهم موقفه. لن تسمع معاتباته لرفضها له، لكتمها لحقيقته، لتلوينها صورته : "بلا جلاقة يا طوني، عظام جدك رح ترجف بقبره من هالسيرة". 

الأحد، 10 مايو 2015

صلوات

يا إلهي
لو قُدّر لي أن أولد من جديد
في حياةٍ جديدة
في وجودٍ قادم
أطلب منك أن يكون ذلك في يومٍ صيفي
على سفح هضبة
تحت ظل شجرة توت
أن اتعلم المشي على عشب ربيعٍ يافع
استندُ على حائطٍ طينيٍّ جاف
أراقب صفاً من النمل المثابر

يا رب
امنحني جناحيّ سنونو
فلا أهاب الريح الشديدة
أمنحني جرأته و هو يبني عشه تحت أسقف البشر
أمنحني جنونه و هو يقاتل قطاً يقترب من صغاره




الجمعة، 24 أبريل 2015

فيسبوكيات

يفاجئك الناس دوما
و تفاجئك اكثر افكارهم
****
لدى مطالعتي لصفحتي على الفيس بوك اجد تنويها بأن جيني (احدى قريباتي الشابات)  قد ابدت اعجابها بموضوع (وضعت لايك على ستاتوس) ،  ثم يتبع هذا التنويه الموضوع نفسه فإذ يه خبر عن موت شاب اثر تعرضه لحادث سير خطير.
****
الاعلامي الثوري السوري فؤاد حميرة يرد على اتهامات فيصل القاسم له بالطائفية. ثم بعد محاولات تهدئة من قبل المتابعين يقوم فيصل القاسم بابداء اعجابه بموضوع (ستاتوس)  لفؤاد حميرة.
انا منزعجة من التهدئة.  كنت اريدها بحيرة دم.
****
الفنان الكبير الذي وصفني مرة اني صديقة لم يعد يرد على تعليقاتي.  رغم تهنئتي له.  اعتقد أنه غضب من أخر حوار عندما لم أردّ و وضعت فقط لايك لتعليقه.  تحاورنا كثيراً و وجدت ان الكلام حول الموضوع انتهى فلم أزد عليه و وضعت لايكاً فقط.
يالله هالعرب!  يموتوا بحركات اللباقة الاجتماعية الفاضية.
****
كتبت عن الإنشاد الجيورجي فحصلت على إعجابين فقط.
جمعت مجموعة رسوم حول الميلاد فحصلت على لايك واحد.
اضفت موضوع عن التاريخ السوري القديم لم يأبه احد.
البارحة تقاسمت فيديو عن صغار القطط و لازلت حتى الان أتلقى تنبيهات بالاعجاب.
****
انخطبِت و ما خلصنا من دعواتها بالكاندي كراش..
****
أقوم بمحي كل الستاتوس التي تتحدث عن الدعاء و الله و الإيمان.  لقد اكتشفت انه تطبيق يشتركون به فيتم نشر أدعية و صلوات على صفحاتهم.
"لا تلبث في ظلال المنافقين " العهد القديم، سفر سيراخوس 17

الأربعاء، 22 أبريل 2015

النجوووم

" الليل ما أحلى نجومه
تنسي المهموم كل همومه"
فريد الاطرش في اغنية الليل
لو كنت باحثا في علم النفس و ابحث عن موضوع جديد اقنع به جامعتي و مسؤولي التعليم العالي بمواصلة تمويلي لكنت اتخذت من هذا الكوبليه الصغير هدفاً لدراسة بحثية عن تأثير النجوم في حياتنا
لا اقصد بتأثير النجوم هنا علم الفلك و الابراج، لا قطعاً، بل اقصد النظر ليلا الى السماء و تأملها، الانتقال بالاعين بين الاجرام اللامعة و محاولة رصد اي جديد او فهم معنى هذا الاصطفاف الازلي المدهش او التوجس و الارتياب منها.
يكفيني عشرون متطوع لمجموعة دراسة الحالة، و الذين سأعرضهم لتجربة تأمل النجوم بأوضاع و مددمختلفة و سأقيّم في نهاية الدراسة تجربتهم و التي سأقارنها مع عشرين متطوعاً اخراً يمثلون هنا مجموعة الشهود و الذين لن اعرضهم لأي حالة تأمل
ثم سأرافق العشرين من المجموعة الأولى، تجربة التأمل، الي فندق خمس نجوم على ساحل البورتيماو جنوب البرتغال بعيدا عن التلوث الجوي و البصري و سأطلب منهم تأمل النجوم لمدد متفاوتة تبدأ من خمس دقائق إلى نصف ساعة و بأوضاع مختلفة تبدأ من تأملها خلال التمشية على الساحل او في شارع جانبي مهجور و تنتهي في تأملها خلال موعد غرامي
اعتقد انني سأحتاج مجموعة دراسة ثانية لاشخاص يتأملون اشياء غير النجوم، كالتحف الفنية او النباتات او الجيران او حتى مجموعة اطفال في حديقة
يعنّ على بالي تكوين مجموعة ثالثة تتأمل الاخبار على القنوات العربية لكن ذلك يحتاج لدراسة خاصة و موسعة او بالأحرى لاحصائية متخصصة
يراودني الاعتقاد بأني سأتوصل لنتائج مهمة حول تأثير تأمل النجوم على نفس و عقل الناس ذلك انها اي تأمل النجوم ليلاً كان من اكثر الانشطة الملهمة و المريحة لي و اكثر ما اكرهه في انتقالي للعيش في شمال امريكا هو صعوبة رؤية النجوم اصلا بسبب تلوث الجو بغازات الاحتباس الحراري و بالتلوث البصري نتيجة اندثار أضواء المدينة نحو السماء
ترى هل يمكن ان نعزو اسباب كل الإضطرابات في منطقة الشرق الأوسط إلى عامل التلوث البيئي الذي حرم الناس من رؤية السماء الصافية المرصعة (احب هذا التوصيف) بالنجوم؟
هل نستطيع ان نعزو ارتفاع اعداد الشباب المصابين بالاكتئاب الي اختفاء او انحسار عادة تأمل النجوم ليلاً؟
طبعا انا لا اتسائل بجدية و لكنها أسئلة ستنفع جدا في اقناع مسؤولي التعليم العالي الغربيين بفائدة تمويلي لقضاء شهر اجازة على شاطئ في البرتغال
‫#‏مهنية_علمية‬

الأحد، 19 أبريل 2015

اتبع قلبك

" اتبع قلبك طول حياتك
و لا تفعل اكثر مما تتطلب الامور"
بتاح حتب

ضمن كتيب لتوعية الاطفال عن اخطار التحرش و الاختطاف هناك النصيحة التالية: 
اتبع احساسك, لو شعرت بعدم الارتياح لشخص ابتعد عنه فورا 

اتباع القلب هو اتباع الحدس او الحكم الاولي على الاشخاص و الاحداث. مجموعة علامات و اشارات تستدل بها حواسك على ما يوافقك من الشخصيات او العلامات الوراثية. يعالج عقلك بشكل غير مباشر و في اللاوعي الكثير و الكثير من المعلومات و يبدأ بارسال احكامه السريعة حسب المعطيات و حسب سرعة انجاز المعاملات.
اتباع حدسك يساعدك دوما على استنتاج الخطأ في طريقة اتخاذ القرار و الاستدلال على اصلاح العطب.

لكن مقولات مثل القلب يودي في داهية هي جمل ابتدعها الجبناء, اؤلئلك الذين يهابون الخسارة, و استعملها المجتمع ليخيف بها ابناءه المتمردون و يطوّع غريزة الانسان الاول فيهم لتخدم تسلط و جبروت القائمين عليه. التقاليد والعادات التي تحكم التصرفات الفردية كالاكل و الزواج و العمل ما هي الا قوانين عرفية جائرة تقتل الحس السليم و تضطهد الوعي و تعتقل المنطق لتجبره على توقيع اعترافات ليست له. 

اتبع قلبك يا ابني انها فانية

السبت، 18 أبريل 2015

ميزيري

- أنا امبارح شفت فلم رعب و فكرت ليه ما نعملش منه نسخة عربية
- فلم إيه؟ 
- فلم أمريكي قديم شوية.... واحدة فانز لواحد كاتب تقوم تسرقه و تحبسه عندها..عملته الممثلة البشعة ديه كيتي؟
-  ميزيري ؟ ...ده فلم بوليسي ..بعدين كاثي بيتز بشعة؟ ربنا يسامحك .. ديه ليها عشاقها و سكس سيمبول كمان
- هما الأجانب برضه ليهم في الاحجام ديه؟
- بعدين قصة الفلم إن الكاتب تعرض لحادث و هي انقذته لكنها احتفظت بيه...فكرة حلوة بس اعتقد اشتغلوها كتير بعدين..
- مش هنا المشكلة ..ممكن نعمل توضيح في بداية الفلم...
- حاجة زي هذا الفلم لا يمت بالواقع بأي صلة و أن الاسماء الواردة فيه وألاحداث لا تعبر سوى عن خيال الكاتب و بعدين نشكر وزارة الداخلية لتعاونها معانا؟ ..
- اسمع المشكلة مش هنا..المشكلة في إن الحكاية ديه مش ممكن تمشي عندنا في مجتمعنا و عاداته و تقاليده..
- ممكن.. 
- لا لا... 
- ممكن تكون الست واحدة معجبة بمذيع شاب محشش و هي تنقذه بفلوسها بس تخنقه بحبها و رغم محاولاتها إرجاعه حيث إنها تهتم بإصحابه وتعزمهم و تشتريله موتوسيكل أحمر على عيد ميلاده ...
- بس ديه حكاية حقيقية ..
- في الحكاية الحقيقية هو قتلها في الفلم هي اللي هتقتله وتنكل به
- لا لا، خلينا نعمل الفانز راجل و الضحية ست
- ماشي
- خليها يكون ليها اسقاطات من المجتمع
- وحدة مغنية تهرب من رجل اعمالها اللي هو جوزها و تلجأ لأحد معجبيها الاثرياء اللي وعدها بالمساعدة لكنه يحتفظ بها كدمية جنسية تضطر بعدها إنها تهرب قبل ما هو يرسل قاتل مأجور..
- اقفل خلاص
- ماشي...وحدة بنت هاربة من مناطق النزاع و لاجئة و ثري عربي يعرض عليها الزواج لحمايتها
- اسكت بقى... 
- مش انت اللي بتقول حكاية غريبة عن مجتمعنا؟

الخميس، 9 أبريل 2015

نقص بنكي

- صباح الخير، هل لي ان اتحدث مع مسيو انطونيوس؟
- نعم, انا انطونيوس.
- كيف  حالك مسيو؟ معك ليز من خدمة العملاء بنك الحيزبون السوداء،  اتصل بك اليوم لاعلمك ان قسط البيت لشهر مارس لم يسدد بعد لان حسابك الجاري يعاني من نقص و قدره..
يقاطعها: ماذا؟ كيف لم يسدد بعد؟ لقد سبق و دفعت.. لقد وصلتني ورقة بذلك..
- عفوا مسيو انطونيوس, لكن ما هو واضح امامي ان القسط لم يتم سحبه من حسابك لشهر..
يقاطعها: اللعنة! لقد سرقتموني.. هيه جوني لقد سرقني البنك.
- اي لص فيهم؟
- الحيزبون السوداء، اللصوص سرقوا دفعيتي لشهر مارس, ثم للموظفة: اريد نقودي هل تسمعين؟
- بالطبع سيد انطونيوس, ان نقودك موجودة لم يسرقها احد..
يقاطعها: انت قلت ان القسط لم يصل و انت تكذبين, لقد استلمت ورقة من بنك السنجاب المراوغ تفيد بأن 1600 دولار خرجت من حسابي فيه إلى حسابي في بنككم المراوغ...
يقاطعه صوت جوني : انهم لصوص يا طوني سبق و نصحتك الا تاخذ القرض معهم.
- لقد خدعوني يا جوني  و قالوا ان الفائدة اقل بنسبة 0،2 و هاهم يسرقوني, لقد كان علي...
تقاطعه الموظفة: مسيو طوني اتوسل اليك اسمعني،  لم يسرقك احد، النقود مثلما هو ظاهر عندي قد وصلت لحسابك في بنك الحيزبون السوداء في التاسع من شهر مارس الماضي.
- اذن مالذي...
تقاطعه: لكن تم سحب 52 دولارا من الحساب في العاشر منه مما أدى لنقص النقود و حاليا لديك في الحساب 1548 دولار و نحن لا نستطيع اخذ القسط لان المبلغ ليس كامل و ينقصه فقط 52 دولار.
- ماذا؟ يا لكم من ملاعين!  كل هذا من اجل 52 دولار؟ اللعنة انا افيدكم كثيرا و انتم...
تقاطعه: مسيو طوني يبدو لي انك رجل محترم و تعلم جيدا اني كموظفة علي ان التزم بما هو امامي من ارقام
- ......
- مسيو طوني ،بحسب قواعد البنك فانا لا استطيع سحب المبلغ ناقصا...
يقاطعها: ما اسمك؟
- اااا؟.. انا ليز
- اهلا ليز
- اهلا بك، في العاشر....
يقاطعها: هل سبق و التقيت بك في البنك لويز؟
- ليز.. لا اعتقد سيد طوني انا اعمل في الحسابات.
- غلط عليكي ان تعملي في لقاء العملاء لويز, انت ذكية.
- ..؟ شكرا مسيو طونيو,  لذلك فعلينا ان نحل المشكلة الصغيرة بسرعة لئلا يتأذى حسابك.
- اكيد.
تقاطعه بسرعة: اذن, في العاشر من مارس قام احدهم بدفع فاتورة لمدرسة الجيل الضائع بقيمة 52...
يقاطعها: اللعنة انها طليقتي،  لماذا استعملت هذا الحساب؟
- لا اعلم, و اعتقد ان عليك ...
يقاطعها: العاهرة! هل تعلمين كم ادفع لها شهريا؟ و لست ملزما بذلك, لم تحكم المحكمة بشئ ذلك اننا لم نسوي اوراق الطلاق بعد لكن انا رجل جيد و مخلص, نعم, هي طلبت الطلاق و حاولت اقناعها لكنها لم تفهم.. هاه؟ النساء خاويات عقل و لكني رجل جيد و شريف ادفع لها شهرياً ما يكفيها للايجار و اطعام الاطفال و فقط, لن ادفع لها لتذهب و تشتري الملابس و تسهر في البارات و تراقص الرجال و تترك الأطفال وحدهم في البيت, هذا كلا ابداً.
- نعم افهم جيدا مسيو طوني و اعتقد ان الامر التبس عليها...
يقاطعها: هذا حقيقي...
تقاطعه: و اعتقد ان عليكم تصفية الحسابات البنكية لكن حالياً اتمنى..
يقاطعها: نعم ساصفي كل شئ, لكني تريثت لاني كنت اتمنى ان تعود. انها زوجتي قبل كل شئ و انا احبها انها لطيفة فعلاً لكن يبدو انها قد جنت و ان احدهم ضحك عليها و..
تقاطعه: بالتأكيد الامر يحتاج للحوار معها و اتمنى منك مسيو طوني ان تقوم يدفع المبلغ اليوم لننتهي من مشكلة القسط و تتفرغ لحل الامور.
- بالتاكيد سأ...
- جيد, اذا هل اخذ منك وعداً بدفع المبلغ و قدره 52 دولار اليوم؟
- اااا؟؟
- مسيو طوني هل ستقوم بدفع المبلغ؟
- نعم نعم انه مبلغ تافه, نعم.
- اذا شكرا جزيلا مسيو انطونيوس و اتمنى لك يوماً طيباً.
- شكرا جزيلا لويز انت لطيفة و ذكية و سأقول ذلك للمدير عندما آتي للبنك نعم .
- طاب يومك.
تقفل الخط بسرعة و تنظر نحو زميلها في المكتب فيرد:
- اعتقد ان اسم البنك لا يوحي بالثقة.

صرمحة

 طفلة،  كنت اتمنى لو اني كنت ولدا،  صبيا، ذكرا يحق له الصرمحة في الشوارع و الجلوس على ضفة الخابور.
الهروب الى الشارع من بطش الاب او تهديد الام
الركض نحو الرصيف المقابل كعصفور يهرب من القفص
خفقات الاجنحة السريعة و صيحات الرهبة المضطربة كمصارع يهبط الحلبة فيصيح مشجعا اقدامه على الثبات
كنت اتمنى ان احصل على حق اللعب بالكرات الزجاجية (كلل)  و الحصول على دولمة بلاستيكية صفراء و الضرب بالماطوية (نقافة)
الصياح بلاعبيي فريق الطابة الذين لم يلتزموا بالخطة فدخل علينا كول
حتى خدمة العلم لا ترهبني كعقوبة على انك خُلقت ذكراً في تلك البلاد بل على العكس اجدها فرصة لاصطناع بطولات وهمية ستحتاجها حتما عندما يتحلق حولك جمع من الاطفال المشاغبين او النساء المطمئنات...
 لطالما حسدت الذكور على حرية التصرمح في الشوارع و الخروج.....
حتى اليوم و رغم البلد الاجنبي و العمر لازلت اجد نفسي محاصرة بالعيون في كل مرة ادخل فيها مكتبة قديمة او مركزا تطوعيا مهملا: ما الذي جاء بك إلى هنا؟  ما الذي جاء بامرأة مثلك الي هنا؟  و كأن التوهان حق محفوظ للرجال فقط

الأربعاء، 25 مارس 2015

جايا

كان الجو يزداد حرارة و الطاقم الفضائي بقبطانه تصدر عنه نظرات نفاذ الصبر بينما يحاول اوخيليو بكل ما تبقى له من قدرات على استمالتهم لمساعدته. كان مع قبيلته التي نشأت اثر تجمع مجموعات بشرية قديمة بعد الانفجار الكبير الذي حطم الكثير من القواعد المكتظة بالبشر و رغم التباين الكبير بين بقايا هذه المجموعات الا انهم استطاعوا ان يتعايشوا لمدة تزيد عن الف عام في قاعدة تجارب قديمة متروكة على زحل... الا ان المناخ الصعب للكوكب و تزايد اهتراء القاعدة ا لتجريبية وبالاظافة الي عدم قدرتهم على اصلاحها اوصلتهم لهذا الحال .
معظم العوالم الفضائية لم تهتم لوجودهم و بعضهم قايضهم للحصول على شئ من المعدات المتطورة لتصنيع الماء لكنهم تعيسون و بائسون لدرجة ان لا احد حقيقة يهتم لمساعدتهم. لكن القبطان كوروس بسفينته الاستكشافية مد لهم يد العون اكثر من مرة و على اوخيليو ان يعترف و انه رغم كل شئ كان كوروس و طاقمه سببا في بقائهم احياء في الخمسين سنة الاخيرة...
نظر اليه مجددا مستعطفا: يا ايها العزيز كوروس، لا حاجة لان اقول لك اننا سنموت خلال اسبوعين،  سنموت جميعنا باطفالنا و عبوات ذريتنا التي تحمل بقايا مورثاتنا ..سنموت و ننتهي من الوجود ..اترى ان في ذلك شئ من العدل؟ شئ من اي قيمة علمية؟ هل فكرت بحجم الخسارة الكبيرة التي ستصيب الكون لو انتهينا و اختفينا؟ ..شعبي لا يزيد عن المئة الف نفس اكثر من نصفه اطفال و لدينا عبوات مورثات نحو ثلاثة الاف..قل لي ايها العزيز كوروس انك تستطيع انقاذ شعبي قبل ان تتحطم القاعدة على رؤوسنا و نختنق في العدم. قل لي انك على الاقل ستحمل اطفالنا و عبوات مورثاتنا..
رفع كوروس العظيم رأسه نحو الجموع المتزاحمة المختلفة الاشكال و الالوان و التي امتدت في القاعة الرئيسية الفسيحة الوحيدة ثم عاد بصوته الناعم الهادئ المتقطع يشرح لاوخيليو للمرة الثالثة و هو شئ لم يكن يصدق كوروس نفسه انه سيحدث له عاد يشرح :
- من كوروس 7891 الي خوليو تاهي23, ك 7891 هو قبطان اشا15, أشا 15 سفينة استكشافية لـ تاميل 6, تاميل 6 يلمع كالنجوم الازلية, أشا 15 لا تملك امكنة كافية لنقل بشر, أشا 15 لا تملك كابينات حماية لعبوات المورثات, أشا 15 لا تملك مواد حياة كافية, أشا 15 ليس من مهامها انقاذ شعب يموت, ....,
صمت قليلا و استدار نحو مرؤوسيه الذين بقيوا كالتماثيل المصمتة لكن اوخيليو كان يعرف انه ابناء تاميل لهم قدرة على التواصل لا يستطيعها هو اوخيليو و شعبه ...
عاد كوروس يتكلم: كوروس 7891 يفكر انقاذ عشرة بشر ممن يملكون مستوى اي كيو 160 و مستوى بارا170, اوخيليو يجب ان يكون سعيد لانه يملك اي كيو 168 و بارا 180, اوخيليو يذهب مع كوروس 7891 الي أشا15 و يبقى على قيد الحياة...
كان خوليو يأن و قد جمع قبضتيه على صدره:
- يا كوروس العزيز كيف لاوخيليو ان يترك زوجاته و ازواجه, امهاته و ابائه, ابناءه و بناته, حيواناته, و يعيش على أشا15 وحيدا معدما دون احباءه؟ سأموت قهرا و كمدا بدل ان اختنق, كيف اتركهم يموتون وحيدين من دون ان اقدم لهم اية مساعدة ؟
بدأ ينتحب بصمت بينما كان يعلم ان كوروس سيرحل حالا
بالفعل استدار كوروس مع مرافقيه العشرة لكن بدرت حركة ما من مجموعة المهندسين في المحطة التجريبية،  المهندسين برئاسة اوخيليو كانوا يملكون الكلمة النافذة على ساكني هذه العلبة التعيسة،  الحركة كانت من عل يسار اوخيليو و جعلت كوروس يتوقف. كان ارميس الذي تحرك فالتفت كوروس نحوه و قد التمعت عيناه. توقف اوخيليو عن النحيب و نظر بدوره نحو ارميس الذي تصلبت عضلات وجهه المليح. لحظة ثم قرر ارميس التحرك و تقدم الي يمين كوروس و عيناه معلقتان بعينا البشري الاعلى.
- خائن , خرجت الكلمة كزفير هامس من فم خاليا الطويلة التي كانت تقف على يمين خوليو... لكن ارميس لم يعد ينظر نحوهم. لقد اتخذ قراره.
- كوروس العظيم , دعني اتحدث الي شعبي فضلا, قال خوليو ذلك ثم التفت نحو صفوة ابناء جايا شعبه الذين تكدسوا في ما كان قديما مختبر ابحاث السرطان على الحيوانات،  ثم تحدث بصوته الجهوري :
- ايا ابناء جايا القديمة، انا نعاني و نكاد نموت, لكن القوة الام التي نحملها في دماءنا تجعلنا دوما و منذ الازل نجد الحلول و نخلص. يا امراء جايا و نخبتها الذين اصطفيتهم لاجتمع بهم مع كوروس العظيم, ها اني اقول لكم ما توصلنا اليه, تعلمون ان أشا المتطورة ليست معدّة لانقاذ او استقبال بشر من مواصفاتنا لكن كوروس العظيم، البشري الأعلى الطيب، و روحه الهادئة زايا الواقفة هنا على يمينه وعدونا بالانقاذ.
سحب خوليو نفسا عميقا ثم اكمل:
- لكن تعلمون ان الرحلات و خصوصا مع اضطراب نجم سولو 88 اصبحت اصعب و اطول لذا فان كوروس العظيم لم يعطيني وقتا محددا لوصول المعونة, لكن , و لمساعدته و تأكيد وعوده لنا فقد وافق كوروس على اصطحاب عشرة ابناء ممن سيضحون بحيوتهم و ارواحهم و املاكهم للذهاب مع كوروس و البحث عن المساعدة الملائمة لانقاذنا... انا هنا اصطفيت ارميس الحاذق و اطلب منكم على العجل باختيار التسعة الباقين ...
علت الهمهمات و الاصوات و ما ان لاحظ اوخيليو ان آرا الشجاع قد قرر التقدم تدارك الامر و قال موضحا:
- ان العيش في أشا و باقي السفن الكونية لا يناسب مواصفاتنا نحن ابناء جايا القديمين لذا فعلينا اختيار من يملكون اي كيو 160 فما فوق و بارا 170 فما فوق
فتراجع آرا و قد ظللت عيناه ظلمة الانكسار
مضت نصف ساعة و كان عشرة من البشر القديمين ابناء جايا قد وقفوا بقرب طاقم كوروس و يتهيؤا للذهاب قبل ان ينظر كوروس لاوخيليو و يسأله: وانت؟
- انا سأبقى هنا معهم مثل خاليا و احدود و هيتو و الكثيرين الباقين.. نحن لا نستطيع الموت وحيدين يا كوروس الكريم..
- من المستحسن ذلك , قال كوروس, فانت لازلت تعاني من امراض البشر القديمين يا اوخيليو،  لازلت تبكي و تندم... . وداعا
قالها ثم التفت نحو مرافقيه و العشرة المصطفين و رحلوا....
- كان علي انقاذه لأرميس المتهور من القهر و الدموع و الموت الذي سيحيق به وحيدا هناك في أشا الموحشة, همس اوخيليو لخاليا و هما يجتازان الممرات الموبوءة،  كان علي التمسك بفرصة النجاة لعشرة من ابناءنا...
- لماذا لم تذهب اذن يا اوخيليو؟
هز رأسه نفيا:
- لا استطيع , مثلك، لا استطيع...
كانت تقارير تلك الايام تقول اننا سنموت خلال عشرة ايام لكن خوليو و امراء الشعب حاولوا اصلاح قاذفات البروتون و مطورات جاما و هكذا استطعنا البقاء احياء مئتي سنة اخرى حاول فيها اوخيليو ثم خاليا من بعده الاتصال بكوروس او اي سفينة فضائية لكن المحاولات بائت بالفشل. النطاق الكوني هنا خطر و نادرا ما تقترب منه السفن او حتى الاقمار الاستكشافية.
الان و قد عادت  تقارير الخطر للظهور لاسباب كونية لا ندركها عاد شعبنا يتسأل عن مصير ابناءه العشرة و محاولتهم لانقاذنا..هناك من يقول انهم ماتوا و قضوا في اشا الموحشة, هناك من يقول ان كوروس خدع اوخيليو و قد قام باستخدام ابناء جايا العشرة كمخصبات و لكن هناك ايضا من يعتقد و يأمل ان احد العشرة لا زال حيا او احد ذريته و انه لا محالة يحاول العودة و انقاذنا...
الكثير من الفرضيات و الكثير من الشجارات بينما تزداد كل يوم وتيرة تقارير الخطر...

الاثنين، 16 مارس 2015

صفحتها

بحذر مشوب باللهفة ينقر ببنانه على اللوح الإلكتروني ..
يتنقل بين صورها و محادثاتها بصمت
حتى انفاسه
تتردد في صدره ببطء
و سكون
لا يعلم عما يبحث
لكنه يبحث
عنها؟
عن احدهم؟
يستمر بالتقليب في لحظاتها المارقة
لعله يحظى بنفسه


الخميس، 12 مارس 2015

طلب صداقة

انا سبت التابلت و قمت فتحت الكمبيوتر الغتت البطئ لاتمكن من مشاهدة الفيديو الاخير ..... و لمن حاولت اعلق اكتشفت ان التعليق (لسه برضه) غير متاح
قلت اتزانخ بقى و اطلب صداقة
و انا بفتح صفحتك لطلب الصداقة اكتشفت اني تطورت و اصبح هناك ثلاث اصدقاء مشتركين ****بيناتنا****
المهم
قلت لنقسي ياه ده المفروض يقبل بسرعة الصداقة (رغم اني متأكدة انه لو كان شعري اشقر فالحظوظ ستكون اوفر بكتير)
انا حاليا نسيت كنت هاكتبلك ايه كتعليق على الفيديو مع اني الصراحة كنت قد نويت اني افتح الرسالة ديه بيه ..يعني اقولك و الله بالنسبة للفيديو بلا بلا بلا بلا
و هنا نشوف حجم الضرر الكبير اللي حصل
و يمكن للسبب ده بالذات انت مش فاتح التعليقات لغير الاصدقاء اللي بتعرفهم بجد و بالحقيقة علشان تعرف تقييم تقييماتهم لبوستاتك
بعني يمكن لو تعرفني حقيقة و تعرف اني كنت بعتبر شريف عرفة في يوم من ذات الايام انسان عنده خيال..اعتقد اني لو قلتلك واوا رائع مش هتفرق معاك
احنا وصلنا فين؟
اووووووه اسفة
انا برغي كتير و ديه مشكلة
بس
المشكلة الحقيقية هتكون لو انك رفضت الطلب :))

السبت، 7 مارس 2015

كما يريد

تقدمت نحوه بهوادة و بطء،  تسترق النظر باتجاهه ثم تحول عينيها عنه و قد ارتسمت على شفتيها الرقيقتين ابتسامة ناعمة
تقدمت بخجل و دلع
كما يريد
حطت بوداعة على الوسادة يمينه و سألته باهتمام عن احواله و انتظرت بصبر و دعة اجاباته
كما يريد
لعله اليوم مشغول البال او بائس فيصحبها في رحلته المضطربة بالكلمات و الجمل و التصاوير المملة
قد يروي لها الكثير من الحكايات و ستسمعها مستأنسة دون ادنى محاولة للفهم او الاستفسار عن تفصيلة ما الا لو كانت من الذكاء ما يجعلها تفهم اي تفصيلة ينتظر عنها سؤالا
كما يريد
و قد يكون صامتا ساهما يجيبها باقتباض فعليها ان تفهم رغبته بالكتمان و تحترم خصوصيته فلا تزعجه اكثر
كما يريد
في كلتا الحالتين يقع على عاتقها مهمة تسليته و الترويح عنه،  و الاهتمام به،  تدليله و النظر الى بهاءه المطلق بعينين لا تشبعان و لا تخلوان من غواية
كما يريد
ثم تأخذه الى بعضٍ من عالمها،  جزء بسيط منه،  فسحة من روحها مخصصة لاعجابه، لنزهاته،  لقبلاته
لا اكثر
كما يريد
تسرح به فينسى ثقل واجباته اليومية و يزيح عن كتفيه ثقل تخيل الاحلام
و يسعد
يبتسم
يطمئن لها و يعدها بتكرار الزيارة
بتكرار هداياه
و عطفه
فتسعد
قبل ان تقوم لتنصرف
و قد اخذت اجرتها التي ستدفعها ثمن للكحل و الحلّي و ايجار الغرفة
و تمضي عن عالمه
كما يريد

الأحد، 1 مارس 2015

و حياة اللي عاش 2



مضت ساعات طويلة و ربما ايام. لم يكن لاحد من الراكبين ان يجزم و يحدد الزمن الذي بقيوا فيه في ذلك القارب الغريب يقودهم ذلك الرجل الاغرب. في اوقات ساد الهرج و المرج و زعق احدهم مغتاظا و اوقات اخرى تظهر قهقة هنا او هناك و لكن الصمت كان هو الذي يحوز على الجزء الاكبر من تلك الرحلة الغريبة
تنقل جبرا بين الركاب و وقف قرب البحار الغريب المتوشح بالسواد و ركز طويلا امامه محاولا استبيان اي شئ لكن العتمة كانت محيطة بكل المشهد.. لم يناموا و لم يعطشوا او حتى يجوعوا. حتى العادة التي استحكمت بجبرا و التي كانت تجعله يمد يده لجيب جاكيته الداخلي لاخراج باكيته الدخان كانت مجرد عادة و ليس بسبب شعور بالحاجة و لم يرافق التنبه لفراغ الجيب اي احساس بالضيق..
اخيرا عاد جبرا و جلس مقابل منيرة على كومة الحبال. كان يتحدث الانكليزية طبعا لكنه لم يشعر بالراحة للتحدث مع اي من الركاب. منيرة كانت الاقرب له و كأنه امه او احدى قريباته . كان يرتاح بالتحدث اليها.. اخيرا قرر ان يحدثها عن شئ شغل باله طوال الرحلة..
- بتعرفي يا ام...؟؟
- جورج , عندي ابن وحيد اسمه جورج و بنتين سميرة و امل ..
- و النعم, بتعرفي يا ام جورج انو بالقداس قام الابونا يقول الوعضة و قعد يقول ايات من الانجيل و صلوات و بالاخر قعد يحكي عني.. و حياة العدرا انا كنت خجلان, حسيت انو عم بيحكي عن قديس مو عني, كنت مبسوط مبسوط كتير و انا شايفلك هالناس واقفين لابسين اسود و بناتي و مرتي يمسحون دمعتهن و ابو جان سلفي واقف يصف الناس و ابن عمتي يحمل صناديق لقمة الرحمة و حياة العدرا انبسطت و قلت الحمدلله يا رب اني متت بعز وقفتي و ما انذليت لاني بصراحة ما كنت طيق واحد منهن كلهن...
حركت منيرة رأسها يمينا و شمال كانها تحاول التقاط ما يقوله بعقلها فقد كانت امرأة بسيطة رغم كل ما شاهدته و عرفته بقيت قدرتها على استيعاب الامور و تفعيلها قدرة منقوصة و غير فعالة
- و حياة الله يا ام جورج حسيت كنت مبسوط لحتى وصل الابونا لفقرة يحكي فيها عني اني اب منيح و ربيت ولادي و هيك.. انا كنت مبسوط لحتى, قال الجملة و هو يرفع بشكل مسرحي يسراه في الهواء و يظم اصابعها كقمع ثم يهبطها بحركة مسرحية في راحة يده اليمنى المستلقية على ركبته اليمنى كمشهد سقوط نيزك على سطح الارض, لحتى جاب سيرة مرتي بنت الكلب, قام يحكي انها سيدة راعتني و حبتني و كانت مثال للسيدة المسيحية التي تتبع زوجها و حكي فاضي كتير....
رفعت منيرة حاجبيها مستهجنة فشرح جبرا:
- انت ما بتعرفيها يا ام جورج , باين عليكي ست مرتبة و مذوقة و فهمانة , قال الاخيرة كمحاولة لاسترضاءها لا غير, بس لو عرفتيها كنتي صدقتيني, هاي المرا من يوم ما شفت خلقتها ببيت خالتي صباح و قعدت الله يرحمها امي و خالتي يزنوا براسي اتجوزها لانها كانت اخت مرت خالهم و قعدوا يزنوا و ينقوا لاتجوزها .من هداك اليوم ما عرفت الراحة. مرا نقاقة و حسودة و ساهية ما بيعجبها شي.. كرهتني حياتي و كل يوم خناق كل يوم خناق..و حياة العدرا لولا اني خايف الله كنت قلبت مسلم كرمال طلقها و اهرب منها... بس الواحد شو بيقول عنده اولاد و بيت و خايف يصيبهن شي...
هز رأسه متأسفا ثم زاد
- لشو ليجيب سيرتها؟ مو انا اللي ميت؟ مو هادا عزاي؟ يعني لو هي انقبرت ماتت رح يجيبوا سيرتي و يقولي شوفوا قديش اتحملها لحتى فقعت مرارته؟ بعدين مو عيب على ابونا مرتب و محترم انك تكذب ؟ مفكر انو الله رح يسامحك ؟ و حياة العدرا و ابنها المخلص انا ماني مسامح.. قال مخلصة و محبة و راعته..وين راعتني بنت الكلب كانت تزعق طول اليوم متل الملسوعين بعقرب و مزعوجة يوم ما شفتها تضحك ..
تأفف متأسفا ثم قال:
- نزعلي عزاي ..نزعلي عزاي

و حياة اللي عاش 1

(المشهد قارب خشبي واسع بعض الشئ من دون شراع و في مقدمته رجل بثوب اسود فضفاض يغطيه من رأسه حتى قدميه. الرجل يمسك بدفة القارب التي هي عادة تكون في الطرف الخلفي بس الموضوع هون مختلف شوي. القارب يتقدم في مياه داكنة و ظلام دامس. ازا خيالك ما ساعدك فيك تشوف فلم وودي آلن)
كانت منيرة و هي سيدة في اواخر العقد السبعين من عمرها قد جلست بفستانها التفتة البيج المذيل بدانتيل ساتان مهذب في اخر القارب منزوية و قد بانت على وجهها علامات الاسى. لم يكن جبرا ليقترب منها لولا انه تيمن فيها معرفة لغته ذلك ان باقي الركاب كانوا بسحن غريبة.
اقترب منها و عندما وجدها لم تلحظه تلويحة يده قرر ان يجلس على كومة الحبال مقابلها و مد يده كعادته نحو جيب جاكيته الكحلي الجديد ليسحب باكيته الدخان لكن الجيب كان خالي ككل جيوبه.
اخيرا و بعد نصف ساعة سألها و قد تأكد له انها تتحدث العربية مثله:
- من وين يا خالة؟
فجأة التفتت نحوه بهدوء لكن بريبة و كأنها تنتبه لوجوده لأول مرة ثم تفحصته جيدا قبل ان تقرر الاجابة:
- من حلب..
و عندما وجدته يهز رأسه ايجابا اكملت, بس اصلنا من ميردين
- أه, ماردين قال جبرا, ايوه ايوه عرفتها سمعان فيها, اهلا و سهلا انا من سيدني باستراليا , قالها و هو يشير بيده بعيدا نحو الخلف و كأنه سيدني تقع في مقدمة القارب, بس ولدان بزحلة و اهلي من الجزيرة..
- اهلا, هزت منيرة برأسها و قد اختفى الارتياب من على وجهها ...
و هكذا وببطء و صبر اخذ جبرا يحدثها عن عمله قبلا و حياته و اسرته و اولاده و هي ترد باقتضاب لكن بود ...
و بعد فترة طويلة من الصمت و على اثر حركة ضحكة مفاجئة من الطرف الاخر من القارب حيث كان يوجد طفل اشقر بولوني لم يتعدى العاشرة من عمره و هو يتابع حركات ايدي رجل اسود اربعيني بقدم واحدة و ملابس مهترئة من ساحل العاج, ضحكة جعلت منيرة تتذكر شيئا ما من ماضيها في الحياة و تخرج زفرة عميقة و تقول:
- طيب نحنا و عمرنا خلص و هاي حكمة الله بس هالولد ؟ مو حرام يموت صغير؟
- ايييه, قال جبرا صافنا في وجه الطفل, و الله يمكن لو انا متت من عمر العشر سنين كنت رح كون مبسوط اكتر, عيشة كلها نكد بنكد الله وكليك...
- تعرف؟ قالت منيرة فجأة و قد عادت لها شهية غير معروفة للكلام, تعرف اني طول عمري بسمع الكلمة و ما كنت اغلط بحدا و بوجب الناس و بعمل دايما المنيح؟ بس هدول الناس ولاد كلب و ما بيستاهلوا..
اغمض جبرا عينيه نصف اغماضة محاولا فهم الفكرة من كل ما تقوله و كاد يسألها لولا انه آثر الصمت فأكملت كما كان يرجو..
- لمن اتجوزت كنت اصغر سلفاتي و اخدوني للغربة لبلد غير البلد اللي فيها اهلي , للحسكة, قالت له موضحة و كأنه يعرف ما هي الحسكة, و كنت مدللة ببيت اهلي يا دوب خمستاش سنة و امي ما تخليني اعمل شي, ببيت حماي لمن كنت عروس كنت قوم و اشتغل و كل شي متل كل هالناس لانه خلص بيت الاحما مو متل بيت الاهل..
هز جبرا رأسه موافقا
- بيوم اجو بيت خاله يعقوب , خال جوزي , لبيت حماي سهرة و قمت خدم عليهن و ما قعدت ابدا و بعدين طلعت ع الحوش لحتى قطع الجبسة..
امام نظرات جبرا المتسائلة شرحت له ان الحوش هو ساحة الدار في البيوت القديمة و انه الجبسة هي البطيخ الاحمر..هنا كانت لهجتها حلبية تماما غير لهجتها و هي تروي القصة
- انا مسكت السكينة الكبيرة و ما كنتو اعرف استحكمها و جيتو اقص الجبسة و انكسرت الجبسة غلط, خفتو حماتي تتمسخر علي قدام خالو يعقوب و مرته و ما عرفتو شلون اتصرف, كانت تحدثه و هي تحرك يديها بشكل مسرحي ممثلة المشهد القديم, قمتواخدتو الجبسة الصغيرة و رحتو كبيتوها في التنور, التنور اللي نخبز فيو الخبز, قالت شارحة لجبرا الذي بدت له القصة و قد حدثت في غياهب التاريخ القديم و لم يكن ليستوعب ان هذه السيدة قد عاصرت الخبز بالتنور الطيني الذي حدثته مرة عنه جدته
- المهم اجت سلفتي الكبيرة انطوانيت و قصت هي جبسة تانية بلا ما تعرف شي...تاني يوم و نحنا قايمين تنخبز شافت حميتي الجبسة المكسورة و عرفت انو انا اللي عملتو هيك و قالتلي تاني مرة لا تكبيها حرام و خليها على طرف ناكلها نحني....
هز جبرا رأسه موافقا و هو لم يفهم حتى الساعة السبب الذي استدعى رواية هذه الحكاية لكن نظرات منيرة المتحفزة و قد عقدت يداها المعرورقتان المنتفختان ذات الجلد الملس على ركبتيها قد نبهه ان الحكاية لم تنتني بعد و هكذا كان فقد اردفت منيرة تكمل و قد بدا على محياها الرقيق الذي كان ذات يوم وجها ناعما يسلب النظرات , بدا عليه الغضب:
- بعد هالعمر كله و بعد كل شي سويته و التوجيب و المحبة و الضيافة و الهدايا , بعد هادا كله تقوم سلفتي سعاد اللي تكبرني و طول عمرها كانت تغار من تقدير ابو جورج و محبته لالي تقوم و في عزاي ما بتحكي الا هالقصة؟
نبرتها المستهجنة نبهت جبرا الي انه عليه ان يقول شيئا فقال هو ايضا مستهجنا:
- العمى؟!!!
- شفت خيو؟ قالتها و قد قلبت للحلبي, شفت اديش في عالم حسودين و عينهن ضيقة؟ ما شافت قصة تحكيها عني و تذكرني فيها بالخير و انا لسه بالتابوت و الناس بيسلموا على ابني جورج و مرتو يعزوني غير هالقصة تحكيها؟ سممت بدني و حياة ربي سممته و انا كنت زعلانة ع الولاد و قلبي قابضني على ميري بنت ابني و هي زعلانة و ما عم تاكل لقمة الرحمة و اجاني صوتها لهاللئيمة....


الأربعاء، 25 فبراير 2015

رفقة

- مشاغل مشاغل،  رددت جالسة مقابلها و هي تمزق كيس السكر الورقي الرقيق لتضيف محتوياته لقهوتها الساخنة،  مفيش حتى وقت انزل السوق مع مامي...
جاءها مشهد *مامتها*و قد صاحبتهما الى المستشفى و بقيت ساعات برفقة السيدة المصابة بقصور كلوي.
- بخرج من الجامعة على مكتب التدريب و الويكند مذاكرة..
نعم كانت تعلم انها مشغولة، ككل الناس، و لكنها كانت تعلم ايضا ان هذا هو اخر لقاء بينهما.  رفقة لطيفة نشأت بسبب ظروف الدراسة المشتركة و لم تكن لتستطيع الاستمرار و العيش اكثر و ابعد من هذا النطاق.  يكفي ان يغير احدهم اهتماماته او حتى توجهه الفكري ليموت ذلك التوافق السري الذي كانت دينا تسميه و هي تحتظنها بود صداقة.
- و انتي عاملة ايه؟ سألتها دينا مهتمة او مصطنعة الاهتمام كما حسبت..
اجابتها بإطالة و بتفاصيل.  لديها الكثير لتقوله لأي كان حتى لو لعامل المصعد.  كانت تعلم ان عليها استغلال فرصة وجود مستمع و لو غير مهتم.  دينا كانت تدين لها ببعض الامور.  لطالما رافقتها في مشاكلها مع مدرسيها و اهلها و خطيبها و لا تطلب منها الان سوى تصنع بعض الاهتمام في هذا اللقاء الاخير...
وعدتها دينا باللقاء مرة أخرى لوقت اطول.  بعمل شئ مشترك. كانت تلاطفها كمن يهادن طفلا خائفا قبل تركه لاول مرة في الروضة.
نعم،  التواعد بفرصة افضل بحديث اطول،  هكذا جرت العادة قبل دفن العلاقات الهامشية.
بعد ان ابتعدت عن الكافيه الصاخب وقفت قرب الحائط تصطنع الحديث بالهاتف الخلوي و هي تعاين دينا تبتعد نحو الشارع الرئيسي المقابل حيث ينتظرها خطيبها الجديد بسيارته. قد ترسل لها بطاقة دعوة للفرح او لا.  قد تحدث خطيبها الجديد بكل الاسرار التي باحت بها لها ذات يوم. قد تنساها تماما و لا تذكر حتى اسمها اذا ما عادت و رأت مصادفة صورة تجمعهما.  اعتادت كل ذلك.
اغلقت الهاتف عن المكالمة الوهمية و تقدمت في طريقها و هي تتذكر اول كلمة قالتها دينا عندما التقيتا اليوم : وحشتيني وحشتيني اوي...
نعم، وَحَشْتِك تماما كما كنت الرفيقة في وَحشَتِك...
كما يجب ان يكون الرفاق

الثلاثاء، 24 فبراير 2015

عصافير قسم جراحة الأعصاب

مدام ليز كانت متيقضة و واعية
لاقترابها السريع من النهاية
لم تكن كجارتها العصفور المذهول على حد وصفها
وهذا اليقين جذبني
وسط تلك الممرات و الغرف العتيقة للمشفى
وسط جفاء طقم التمريض و جنون المرضى
جذبني اليقين
كما يجذبني الجنون وسط التعقل و التحفظ
فسحبتني ببطء باتجاه بئرها الاجوف
اصطحبتني دموعها
فرافقتها بألامي

****
- Quelle est la différence entre la sympathie et l'empathie ? Demande le formateur du centre de bénévolat en pointant les deux mots apparents sur le dispositif. 
- La sympathie est ressentir ce que l'autre sent,  répond l'une des participates, alors l'empathie est de comprendre son désarroi seulement. 
- Et ce que vous devez le faire,  complète l'homme avec précision, évitez de couler avec. 

****
دماغها المبعثر في كومات غير متماسكة
و ذاكرتها الانتقائية المليئة بالفراغات
كما قصتها الغريبة لوجودها الاستثنائي في ميزون نوف قسم الجراحة العصبية لم يعبثوا بروحي
لم ترهبني تلك التسعينية
تلك الدمية الشمعية التي لم اتوصل لقراءة اسمها
خصلات شعرها الفضي المهمل الطويل التي احاطت بجمجمتها الرقيقة
اصابعها الفاقدة للاظافر بسبب الهرم
كلها مشاهد كرتونية لامرأة تتمتع بصحة جيدة
و مزاج معكر
كانت قد فقدت عقلها
و اعني هنا قدرتها على الحكم المنطقي
فقدت بيتها،  استقلاليتها،  حريتها، ملابسها، اهلها و اصدقائها
حتى اسمها لم اتوصل لقراءته
فقدت شكلها ايضا
لكنها رغم كل شئ كانت هنا
موجودة
تتحدث
لتفلق اعصاب الممرضات و ميزانية صحة كيبيك
و لتجعلني اكنشف مدى البرودة التي وصلت اليها
و الفراغ المقيت في داخلي
فضاوة،  فسحة
ذلك اللاشئ المكروه في اعرافنا
لانه يحيل الانسان لصنم
 ****
- Vous allez y arriver,  console Pierre ses auditeurs, mais comprenez que lorsque vous êtes ici vous oubliez vos problèmes et lorsque vous sortez d'ici vous allez vider vos esprits à même temps que vous désinfecter les mains à l'entrée principale 

****

الاثنين، 16 فبراير 2015

عناوين

يوم ممل, مواعيد مملة
حاولت ان أنسى التوتر الذي يلفّني فقمت بتوظيب حقيبة اليد..
صغيرة هي و مهترأة, لكني أعاني من مشكلة التمسّك
أنا لا أتخلى بسهولة
عن أي شئ
و عن كل شئ
أذهلتني الاوراق المحشوة فيها
فواتير عن كل شئ: للملابس المدرسية للبنات, لفستان العيد لابنتي الكبرى, للنظارة الطبية لابنتي الصغرى, فواتير عيادة الاسنان و الكثير الكثير من فواتير الدفع الآلي لتعبئة البنزين
هناك أيضاً كروت العمل للعيادات الطبية و مكاتب تدريس و عليها كلها مواعيد قديمة
هناك ورقة عليها تعليمات طريق
أخذتها و أضفتها لرفيقاتها في ظرف بلاستيكي كبير في تابلو السيارة
أنا لم أشتر ابداً جهاز الGPS
منذ تعلمت القيادة منذ 15 عاماً و أنا اعتمد على الخرائط الورقية و تعليمات الطرق التي اطبعها من جوجل. السبب في ذلك يعود بعض الشئ لانعزالنا
نعيش في حلقة صغيرة جداً من التنقلات و العناوين و المعارف, و من الجرأة و المغامرة و العبث...
ضعت كثيراً لكن ليس لمسافات طويلة و كنت أسعد كثيرا عند وصولي لعنوان جديد دون ارتكاب الاخطاء
إذن فقد أعتمدت على جوجل في قيادتي للعناوين الجديدة
سواء الحقيقية او الخيالية
أشاهد المكان على شاشة كمبيوتري, اتفحصه جيداً من كل الزوايا الممكنة, احب ان اعرف كل شئ قبل الذهاب للمجهول, أحضر للموضوع و كأنه معركة و استنتج منافذ الهرب و زوايا الضعف. اقرا تعليمات الطرق و نادراً ما اكتبها بالتفصيل بل احب ان اختصر كل تلك التعليمات المملة بثلاث او اربع سطور قصيرة
في بعض الاحيان ارسم الخريطة بسرعة على ظهر الورقة الصغيرة
لكن كعادة أية أم
بسرعة
كأنه شئ غير مهم, شئ وقتي, غير باقي و لن استعمله مجدداً
المشكلة ان اوراقي قلما تحتوي على العنوان, الهدف, اسم المكان ...
اعاينها اليوم محاولة تخمين العنوان المقصود. هل هو عيادة أم محل ملابس أم بيت صديقة بناتي...
إلى أين تقود هذه التعليمات القليلة المكتوبة بسرعة على ورقة بوستيت صفراء؟
أحياناً قد أملك من الجنون أن اتتبع تعليمات احداها
اطولها
لكني في داخلى أعلم تماماً انه سيكون عنوانا لمكان اعتيادي تماماً ..ربما فرع بنك او كاراج سيارات او حتى مدرسة تعليم عزف البيانو





المثير اني احتفظ بكل هذه الاوراق




احب ذلك
احب الرسم فأسعد بذلك
حتى لو كانت خطوطا قليلة و سريعة
أشعر انه و في وسط كل الحياة الرتيبة الكلاسيكية لربة منزل ان للرسم حاجة و معنى







السبت، 14 فبراير 2015

وزنة مكروهة

كنت اتمنى لو كنت ابنة زعيم ما ينظر نحوها اتباع ابيها كقديسة و يمدحون سيرتها وسيرة اباءها كلما ظهرت معهم في مناسباتهم التي يحلو لهم الاحتفاء بها دوما في محاولاتهم المستميتة للبقاء احياء
كنت اتمنى لو كانت امي سليلة باشوات تقف النسوة الجاهلات المنتفخات احتراما لي كلما هممت بتحيتهم
كنت اتمنى لو كان جدي مجرما سواء وطني ام معارض و تلحق باسمه اللعنات كما تلحق الرهبة و الخوف و عندئذ يشتمني اعدائه في سرهم و يهابني البسطاء و يطمع بي الوصوليون
كنت اتمنى كل ذلك
مال وفير و سمعة كبيرة و سيرة اجداد مثيرة لأجد ما أبرر به تعبي
تسألني احداهن عن اسرتي فأقول و انا اتمنطق بالنبل و البساطة و الحديث اللبق ان كل هذا التاريخ و كل هذه السمعة و كل حب الناس انما هو لثقل كبير ملقى على عاتقي و اني لملزمة بأن احترم كل هذا التاريخ و ان اعني بحياتي و تصرفاتي لئلا يصيب سيرة اجدادي العطن
كنت سأبوح لها كذبا اني احسد المهمشين و الغير معروفين لأنهم يملكون كامل الحرية في تصرفاتهم و حركاتهم, و قلما يهتمون بالاعتبار الاجتماعي للاسم الذي يحملونه
نعم, كنت سأبرر كثيرا و اقول ان من هم في مكانتي و من يحملون اسمي و من لهم سمعة اباءي انما يتحتم عليهم دوما تقديم الافضل و الافضل , العمل و الاجتهاد , الحذر و التفكر.
نعم
كنت سأجد مبررا لهذا الشيطان الجالس على اعلى اكمام تفاهاتي و هو ينعتني بالغير مثابرة, بالكسولة, بالفاشلة
كنت سأجد ما يبرر حرصي الدائم على مجاراة من حولي, على التصرف بحذر فائق و على التفكر في كل حركاتي
كنت ربما سأفهم سبب فشلي العاطفي و حذري الكبير من الاخر
كنت سأفهم
لكني لست كذلك
انا ابنة رجل مهمش كثير الديون
امي لم تكمل تعليمها الابتدائي
من مدينة صغيرة لا يعرفها احد
من بيئة متوسطة لا يعترف بها احد
من بين اقاربي و معارفي قلما تلتقي بشاعر او حتى حقوقي
تلقيت تعليما قليلا و لم اشاهد في حياتي ميكروسكوب و لم المس مجرد لمس ألة موسيقية
لم يحوي بيتنا سوى انجيل قديم و مجلات تفصيل مستعملة و جرائد حكومية لم يسمع بها احد
هذا هو كل ما اعطاني اياه الله عندما قذف بي في هذا العالم
وزنة صغيرة بحالة جيدة لكنها صغيرة
عملت عليها كثيرا و كثيرا و دخلت بها مضاربات عدة و راهنت في كل مجال و جاهدت كالفاعل
في الصبا حرصت عليها كمن يحرص على قلبه من الحب
و في النضج حرصت عليها كمن يحرص على عقله من الخيال
كرهت لحظات الحبور لانها تلهيني عن وزنتي
شتمت ايام الراحة لانها تبعدني عن وزنتي
رميت بسنين شبابي لأعمل و احصل على الفائدة العظيمة من وزنتي
ايام من التسابيح و التراتيل الطويلة
شهور من الكد و التعب
و سنين من الصبر و الجَلَد
و لكنها لم تكن لتعطيني فائدة لها اكثر من قيمتها المماثلة..وزنة صغيرة مثلها
لم اسعد يوما بهذا المحصول القليل
لطالما قارنت ربحي بالاخرين.. وزناتهم كثيرة, وزناتهم كثيرة
قالت لي الراهبة ماري الطيبة عمة رفيقتي ان الرب يطلب مني ضعف ما يعطيني فقط فلو اعطاني وزنة فهو يطلب مني وزنتين و لو اعطاني عشرة لطلب مني عشرين
لكني لم اقبل يوما هذه الحسبة
انا استحق ان اتعامل بأكثر من وزنة و هو لم يعطيني سوى هذه القميئة
ذهبت اليه
الي الله
عند بوابة كنيسته المبنية من احجار معبد قديم متهدم
صرخت : خذ وزنتك لم اعد اريدها, فلا هي تعطيني الكثير و لا هي تسمح لي بالعيش كالمفلسين و المتهورين و عديمي الفائدة
خذ هبتك التي ضيعت في سبيلها حياتي و عمري , استرد دينك الذي يزيد من اوزاري و لا يفيدني , فأنا لم اعد اريد منك شيئا
لا جنة و لا خلد و لا دينونة
خذها هذه القميئة. كان عليك ان تعطيني اكثر , ان تعاملني افضل , ان تثق بي اكثر...
خذها..
و ركعت على الارض ابكي
بكيت كثيرا
سبع سنوات من البكاء حتى تقشر جلد وجنتي من ملح دموعي
و غارت عيناي الواسعتان و فقدت لمعانهما
بكيت كثيرا قبل ان اهدأ و ارفع رأسي لانظر حولي
اختفت الكنيسة و بوابتها
و احجارها القديمة اضحت غبارا
و ساحتها الواسعة اصبحت قفرا
نظرت حولي و وقفت على قدماي بصعوبة و انا اكاد اقع
ها انا الان
من دون إله
من دون وزنة
ها انا 

الخميس، 12 فبراير 2015

الحب المعيب

ذلك التعلق من دون أحلام
ذلك الوله من غير وعود باللقاء
الحب المعيب 
تفاحة غير مقضومة
صورة لقاء ممنوعة
إعلانٌ محرّم 
ذلك الحب المعيب
أسمى أنواع الحب وأغلاها
بدون أمل 
بدون انتظار لسعادةٍ قادمة
تبذل قلبك في سبيل قضيةٍ خاسرة
تضيع الروح 
و المستقبل 
و الطمأنينة
إنه الحب المعيب
الذي يهابه الشجعان 
تخافه العذارى و سيدات المجتمع
يحذّر منه الأب الراعي في موعضته

تجلس في مقعدك ترقب الجميع ولا أحد ينظر نحوك 
تتشابه وحوائط البيوت المهملة
تتماهى مع الباحات الخالية
تأكلك الأحاديث الطويلة
تأويلاتها تنهش في روحك 
تصطبغ شفتاك بالأمل 
بينما تتصنع عيناك اللامبالاة
ويصبح وجهك قناع ماسكورادا 
مجرد ديكور لروحٍ استنزفها الشوق

لا يعرف هذا العالم الصاخب بحبك
ولا يعترف به
يبغضه لأنه غير مرئي
يبصقه على قارعة النهايات المأساوية 
يشهّر به كالقتلة 
لأن حبك لا ينتمي لهذا العالم
لأنه لا يعترف بمملكته
لأنه يهزأ بشروط نجاحه
حبّ عفيف و عنيد

عشقٌ كالقمار
من غير مأرب سوى اللعب
ولهٌ كالجنون
من دون حسابات ولا دراسات جدوى
و حبيبٌ كالآلهة 
من دون شفقة



مشاركة بدون عنوان...

كنت ابحث في المدونة عن شئ و وجدت في الصفحات الاقدم الكثير من (مشاركة بدون عنوان). في كل مرة كنت افتح هذه ال(مشاركة بدون عنوان) كنت أقع على صفحة بيضاء فارغة. 
هذه المشاركة بدون عنوان هي في الأصل محاولة لكتابة شيء، لتدوينه، لتفعيله أو التخلص منه. لكن و لظروف ما لا تبدأ.
أضغظ على زر مشاركة جديدة و افتح الصفحة المخصصة و لا اكتب شيئاً و عندما أغلقها يعاملها البلوجر كمشاركة لكن دون أن يستطيع إيجاد عنوانٍ لها..
فيصبح للصفحة البيضاء الفارغة مكانة
يصبح اسمها مسودة لمشاركة بدون عنوان
يصبح لها كينونة بغض النظر عن ماهية هذه الكينونة و صفاتها
كل ما لم تسعفني لغتي بكتابته وإيجاد تعريف له، يصبح شيئاً موجوداً 
مبهماً، نعم، لكنه موجود
كل ما لم يسعفني خيالي لتوظيبه كفكرة كاملة، أو ناقصة حتى، يكتسب شرعية
كل ذلك البوح الصامت أمام شاشة الحاسوب 
كل ذلك العجز
كل الانهزام و السقوط
يتم تأريخه، تسميته و توظيبه 
تاريخ من الفشل هي تلك المشاركات بدون عنوان 

تمرد

- لك انا مو متلكن مو متلكن ...افهموها بقى..
- ليش حبيبة قلبي؟ ناقصك عين و للا ايد؟
- لك انتو اللي ناقصكن خيال...

الخميس، 5 فبراير 2015

قضي الامر

تتلفت حولك و الحوائط اللزجة للقعر حيث انت تضيق عليك
اتراها تتحرك في شكل متناسق لتحصرك اكثر ام انك تنغمس اكثر و اكثر في الحفرة الضيقة حيث دخلت بقدميك؟
غير مهم
انت هناك في ذلك القعر المضئ بالنيون الابيض كصفحة عقلك
الضيق يعمل اكثر فاكثر على رئتيك و مفاصلك لكن عقلك اللعين مازال منتفخا رحبا واسعا كموقف سيارات مهجور لا يكتفي ببث الخوف فيك بل بشاعته تقلقك
انت هناك
في القعر
المضئ بالنيون
كممرات المستشفى فارغ هجره المرضى و الممرضين و المرض و بقيت لعنة القلق
لا تصيح او تستنجد
هادئ جدا انت
لا تستنجد
موقن انت بحضور عجزهم و رفضهم و نصائحهم الفارغة
هادئ انت
كجثة باردة  لدجاجة متبلة تنتظر دورها في الشوي

لقد قضي الامر

الأربعاء، 4 فبراير 2015

صور

كان من الممكن ان تكون الامور على غير ما هي عليه الآن
و كان من الممكن ان يعود بسرعة إلى البيت دون التسكع مع رفيقه في التحدث امام سيارتيهما المركونتان في ذلك الموقف الواسع الغير معبد
كان يستطيع ايضا ان يسرع اثناء قيادته على طول الطريق السريع الذي يشق دون انتظام المدينة التي فقدت شبابها
لو كان يخمن شيئا مما حدث عشية ذلك اليوم حيث حاول الخريف بكل لطافة تهيئة العالم لتقبل حقيقة انتهاء الصيف
لو كان يعلم شيئا لما ذهب اصلا الى عمله
لو كان يعلم
لكنه لم يعلم
لم يتوقع
و لم يخمن
هكذا بقي يردد طوال كل هذه السنوات كلما اشتدت عليه قبضة الوحدة



الخميس، 29 يناير 2015

خواطر

لكن الحيوة الثانية ليست على هذه الارض القديمة
و لا تحت سماءها الملوثة
لكن يا ابنة الشقاء
لا شئ يعود
سوى الحماقة
و الازدراء
و الشتيمة

الجمعة، 23 يناير 2015

حياة

كان يا ما كان..
لا نحكي الحكايا الا بعد نهايتها. نحتاج لنهاية ما لتكتسب الحكاية اسمها فلا تبقى مجرد نميمة. في نفس الوقت فنحن نحتاج للحكاية.
ما مضى و حدث لم يكن الحياة لان اعلان نهايته هو اعلان لنهاية الحياة. يبحث العقل الشقي عن شق صغير للهرب و يخترع مصطلح الحكاية. الحكايات تنتهي اما الحيوات فلا نريد لها انتهاء. فنطلق اسم حكاية على كل ما مضى و نسرده بهدوء متصنعين الحكمة لاننا بحاجة الى مغزى.

"كان حبه حياة 
و موت
و وعد بالانبعاث
قبل ان ينتهي كل شئ"

كيف لك ان تعيش مع هذا؟ كيف لك ان تستمر مع هذا؟
أولا : تعترف بنهايته. ثانيا: تبحث عن حكمة و مغزى ما. ثالثا: تلصق بكل ما مضى تسمية الحكاية ..

رابعا: تحكي و تحكي و تحكي ..و تحكي حكايتك التعيسة حتى تصدق نفسك بأنها لم تكن سوى حكاية
بأنها لم تكن حياة.

السبت، 17 يناير 2015

كابوس طفولي

اتقدم في ممر مدرستي الابتدائية
اقترب من الحمامات
التفت ناحية صوت خرير الماء المندفع من الصنابير الغير مغلقة
تدخل رفيقاتي راكضات بينما ابقى انا واقفة
امام الحمامات الكبيرة الواسعة
فجأة يقفز على ظهري
حيوان؟  وحش؟  احد الرفاق المشاغبين؟ لا ادري
يتشبث بي و تخور قدماي بسبب ثقله
افتح فمي لاصيح
اصيح
لكن الصوت لا يخرج من جوفي المذعور
اصيح
و لا يسمعني احد
يغرز الشيطان مخالبه في كتفي
رأسه المسنود على رأسي يجبرني على الانحناء
اريد ان ارفع رأسي لاعاين رفيقاتي و هن يضحكن و هن يتراشقن بالماء
لا استطيع
ابكي
اصيح لكن لا صوت لي
لا احد ينجدني و لا اقوى على الهروب



الجمعة، 9 يناير 2015

ذكوري

- ليه بتقييم الموضوع بالطريقة ديه؟
نظرت إليه متفحصة و متحفزة رغم قسماتها الهادئة
اشاح بنظره عنها و اعتدل في جلسته على الكرسي الخيزراني القديم. لقد حاول طوال السنين الاخيرة تفاديها. افكارها, أرائها و حتى تصرفاتها كلها كانت تزيد اكثر فاكثر من حساسيته تجاهها.
عادت امه بالورقة التي وصلتها من المحافظة و طلبت من اخته علياء ان تقرأها لكنه سرعان ما سحب الورقة :
- هاتي
شعوره بالاستياء رافقه طوال طريق عودته للبيت و حتى بعد ان شاهد مباراة على القناة الاوربية
هذه الفتاة المزعجة, قالها في نفسه, ما الذي يجول في عقلها؟

- و علياء قالت ايه؟ سألته زوجته و هي تطالع مجلة عندما استلقى على السرير
- فإيه؟
- بإنذار المحافظة, قالت ايه؟
حرك كتفيه باستخفاف و لم يجب فبادرته قائلة و قد اقفلت مجلتها بعصبية :
- و ربنا كنت عارفة وهي نفسها قالتلي, و قبل ان يستفسر اكملت, قالتلي انك هتعمل عكس اللي هي هتقوله.
- مش صحيح, قالها بامتعاض محاولا اخفاء احساسه بأنه مكشوف, اصلا هي ما قالتش حاجة و قالت انها مش  عارفة المفروض نعمل ايه..
صمتت زوجته لحظة ثم اضافت بهدوء:
- أمال مالك؟
- ماليش
سحبت شيري نفسا عميقا قبل ان تقول:
- تحب اقول رأيي و الا انت عارفه
- عارفه, قالها و هو يسحب اللحاف عليه و يدير لها ظهره.

كان قد حفظ تماما ما تدعي شيري انه رأيها و كان يخمن ان ذلك انما رأي علياء نفسها و الذي نقلته لشيري لكن المشكلة انه كان يشك في كون ذلك صحيحا..
يواجه الناس في المراهقة معضلة الخروج عن الطاعة التي تتمثل في الاب و الام و نُظم المجتمع. هذا الخروج يعد الاختبار الحقيقي لقدرتهم على المواجهة. كانت المراهقة و اوائل الشباب بالنسبة له عبارة عن معارك يومية للبحث عن الهوية و اثبات تلك الهوية, كانت مرحلة مملؤوة بالحماس و الاحباط ايضا. شجارات يومية مع الجميع و الكثير من النزق و التهديد و القرارات المفاجئة.
خرج من تلك الحرب و قد سنّ قوانينه الخاصة و رسم لنفسه حيزاً مهماً في حياة من حوله.
فجأة و على اعتاب الخامسة و العشرين بدأت اخته التي تكبره عاما و نصف معركتها, ليكتشف فجأة انه وقع في الفخ.
معركتها المتأخرة اعادته للجبهة و هو الذي كان قد بدأ حروبا في منطقة اخرى بأساليب اخرى: العمل ..
وجد نفسه مهدد و من قبل عدو اخطر من كل من عرفهم, علياء لم تكن هادئة كأبيه, ساذجة كأمه او نزقة مثله, كما ان تمردها كان اشدّ و قدرتها على تحمل الضربات القاسية ادهشته
بعد كل شجار و بعد ان يظن ان صوته الجهوري و اتهاماته القاتلة قد حسمت المعركة لصالحه يجدها تعود من جديد اكثر ثباتا و حنكة. في بعض الاحيان كان يشك ان هناك من يحفزها و يلقنها, كانت تواجهه بتكتيكات مفاجئة.
كالوحش المدرّب على القتال كانت تبتعد واهنة بعد ضربة موجعة ك:
- انا برضه الذكوري و الا علشان مش عارفة تشتمي الحيوان اللي حبتيه و سابك تقومي تطلعي قرفك علينا...
تقف بعيدا تلتقط انفاسها و عيناها معلقتان على الجبهة ثم و مع ادنى تهاون تتوثب كالجحيم
لم يكن يواجهها لوحده بل كان الجميع ضدها: العيلة و الجيران, الاصدقاء و العشاق, القانون و الدين , بينما كانت هي تحارب وحيدة كألهة لعنتها السماء

نعم, قالها في قرارة نفسه معترفاً, لقد كان سعيداً بلقبه ( شب العيلة) و بسلطته التي كانت تتوسع كل يوم كرجل توثق عليه الامال و ازعجه تعاملها معه كندّ و رفضها للاذعان له لمجرد انه الأخ, نعم, رددها في نفسه قبل ان يتعهد : بس مش هاعترف بكده و لو اتحرقت يا علياء يا جزمة.




عزلة

بدأ الموبايل بالاهتزاز لم يكن ينوي الرد على اي مكالمة لكنه امسكله و نقله على مجموعة الفواتير بجانبه مما جعل الاوراق تصدر ازيزا اكبر . عاد فنقله على الجانب الاخر من المكتب لكن رغم ان طبقة الصوت تغيرت الا انها ازدادت حدة. تخيل ان ذلك قد يكون علامة على وجوب رده على المكالمة لكنه عدل عن ذلك.
كان قد قام من مدة بمحي كل الارقام من ذاكرة الموبايل. وجد في ذلك طريقة تجعله اكثر حيادية لو حصل و قرر يوما الرد على المكالمات التي بدأت تقل يوما بعد يوم.

الجمعة، 2 يناير 2015

رؤية كمان

اول ما طلع من الممر المسقوف بلوايح التوتيا للباحة
 لقاها
قدام باب الحديد الاسود بتوبها الملون
قاعدة
على كرسي حديد اسلاكه البلاستيك الوانها باهتة


توب عربي محسور عن قطنة بتلف رجلها
متل كل الختايرة بشاشة لافة صدغها
شاشة بالخرز مشكولة اطرافها
و دقات خضرا على دقنها

كان بده يبعد و يكمل مشواره
بس ردّوه عقله الشريد و قلبه الموجوع
و ناره

منها قرّب
يا خالة يطول عمرك
هاك اشرب
 يعطيك الخير موعطشان
أجل ضايع
لا تعبان , صلليلي

بأصابعها المعقودة بوجع العمر الطويل عدت الخرزات 
و تمتمت
تعويذات و كلام كتير
رفعت المسبحة البلاستيك لراسه
و رسمت
شارة الصليب
حبل نور هرب من بين الغيمات
و صوت الاذان اجاه

روح قالتله
و هو هرب
من المكان
للمكان

وعي

بالرغم من كل ذلك الزمن الذي مرّ و الذي لا استطيع للاسف احتسابه بشكل دقيق و ان كل ما استند اليه لقول ذلك هو تقديري للانهيار النفسي و الروحي الذي اصابني. 
اذن, رغم كل ذلك الوقت الا اني لا زلت اتذكر اول مرة اكتشف فيها حالي الذي انا عليه.
فتحت عيناي, او هكذا ظننت و حاولت ادراك اي شئ من حولي.
في البداية ظننت اني في مكان مظلم و بما انني كنت لا ازال اعاني من ارهاق, فكل محاولاتي الاولى انصبت فقط على رؤية ما حولي فلم افطن لمحاولة التحرك.
 لازلت اتذكر اني كنت في حالة روحية افضل رغم هلعي الذي كان سببه تفكيري في مشاريعي و واجباتي اليومية..لكني كنت لا ازال اتمتع بالأمان,ذلك الشعور الذي ترتكز إليه كل نفس, ربما بسبب اعتقادي في ان عيناي سرعان ما ستعتادان الظلمة و اتوصل لمعرفة مكاني و ما حولي  
لا ادري كم بقيت على تلك الحال لكنها كانت قصيرة نسبيا و تخللتها اوقات هلع و حزن عميق و اضطراب
بعدها تنبهت الى عدم قدرتي على تحريك يداي او قدماي و بكل الاحوال لم اكن اشعر بأي شئ يساعدني للتحقق من ذلك
دخلت فيما بعد فترة اضطراب طويلة و حزن و شوق و غيرها من المشاعر التي كانت تملأ حياتي قبل الان
الهدوء في مشاعري عاد ببطء لكن المرارة الكبيرة كانت قد سكنت كل عالمي
ذات يوم حلمت بمشاهد من حياتي قبل الان و بشكلي و شخصي قبل الان لكني في الحلم كنت عمياء 
عندما استيقظت , اي عندما اصبحت في مرحلة التحكم بافكاري, تقبلت تماماً فكرة اني اصبحت عمياء و بدأت افكر في كل الامور التي استطيع عملها و تحقيقها بالرغم من فقداني للبصر و التي سأفعلها يوما لو خرجت من حالتي التي انا عليها.

تبعت تلك المرحلة فترة كنت اشعر خلالها بالامل.
و قد كان ذلك احقر ما حدث لي.. كنت كل يوم, او اقصد كل فترة يقظة طويلة, اترقب و انتظر ان يحدث شئ ما يخرجني من وضعي هذا و في بعض الاحيان كنت اتخيل كيف سأتحدث للطبيب او الممرضة او اهلي و اصدقائي و كيف سيروون لي و اروي لهم ما حدث و نتناقش في سبب الحادثة التي اودت بي لما انا عليه اليوم
كنت ايضا احاول تذكر حياتي من قبل و معلوماتي التي اكتشفت اني لا املك منها القدر الذي كنت اتوقع امتلاكه
اكتشفت ان المعلومات التي كنت مقتنعة تماما بأني املكها لم تكن سوى مقاطع صغيرة من هنا و هناك لمعلومات حقيقة كاملة لا املك منها شيئا ذا قيمة 
و طبعا كنت اجتر ذكرياتي و كم اصابني الحزن سواء بسبب الحزينة و المقيتة منها او بسبب تلك التي ادخلت على قلبي شيئا من الحبور و الراحة
كانت فترة مظلمة حقا و لو قدر لي ان اختار لاخترت عدم البدء فيها من الاساس.
مرحلة الامل و الترقب تلك
المهم انه و في نهايتها اصابني احباط شديد و طويل و فزع حقيقي و حالة نفسية متأزمة جعلتني اخسر الكثير من قدراتي العقلية حيث نسيت تماما المشاهد الاخيرة لحياتي قبل الان و نسيت وجوه اصحابي في العمل و لم اعد اتذكر اسماء والديّ

حالياً, لا ادري حقيقة كم من الوقت مرّ علي في حالتي هذه
في بعض الاحيان اقول لنفسي اني ربما ميتة
في القبر او ان جثتي ملقاة في مكان ما تتحلل ببطء و ان كل ما عليّ هو انتظار التحلل النهائي و هكذا سينطفأ الوعي
و احيانا اقول اني في مستشفى ما و اعاني من غيبوبة طويلة و قد يستمر الامر لسنوات قبل ان يكتشفوا علاج او يصل بهم اليأس لايقاف جهاز التنفس. ان اقاربي و اصدقائي يتشاركون زيارة جسدي الصامت و ربما ان هناك من يقرأ لي شيئاً او يشغل الموسيقى التي كنت احبها. انه هناك صراعا بينهم على مستقبلي و تقرير ما سيفعلونه بي. لكني سرعان ما انفض عني هذه الفكرة بسبب الامل الذي من الممكن ان اعيشه مجدداً
ذات يوم قدّرت بأني قد اكون ميتة و ان جسدي قد تحلل تماما  و ان ما اعيشه هو الموت
الموت الحقيقي 
الموت النهائي
بصراحة اعتقد ان الامر لو كان كذلك فإن قسوة الموت تكمن هنا 
في ان تظل واعياً, معزولاً و وبدون ادني قدرة على عمل اي شئ 
في الحقيقة انه لأهون عليّ بأن احاكم من قبل اي اله و ان يرمى بي في دينونة ما على ان ابقى للابد هكذا, صامتة, عاجزة و هائمة 
في السواد 
في العدم
في اللاشئ