expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

الثلاثاء، 26 مايو 2015

الذيب

لم تبدو على وجهه اي علامة على الاندهاش لذا تخيلت انه كان يراقبها منذ دخلت الشارع. ابتعد عن الباب متجها للصالة و قد رفع ذراعه قليلا كأنه يدعوها للدخول. 
" لا زال يحتفظ بهذه البيجاما " قالت في نفسها.
لم تكن لتزوره لولا ان ابنها اخبرها عن مرض ابيه. وجدت من الكياسة أن تعوده و تتمنى له الصحة. وضعت أصيص النبتة الخضراء الصغيرة على طاولة الصالون المنخفضة  لكنها لم تجلس. كان هو في المطبخ يعد الشاي. عندما عاد للظهور و في يده كوب قدمه لها، جاءتها ذكرى الايام الماضية حيث كان يحضر الشاي لها، معه، بعد الغداء و يقدمه لها بينما كانت هي تقلب في كتبها. 
" إياك ان تسمحي له بشدك للعبة المجنونة التي يلعبها، كانت تقول لنفسها و هو تنظر إليه ببرود، هذا الاسلوب البغيض الذي ما فتأ يستعمله و يكرره في كل حروبه . اسلوب المخنثين ممن يدعون انفسهم بالفرسان، بالضحايا، بشهداء الحب. لم يحبك يوماُ."

كان عليها ايجاد شئ تقوله, شئ يبدو حياديا لكن محمل برغبة في المساعدة. كان سيرفض كالعادة فهو ليس سوى تيس عنيد يرفع ذقنه عاليا كأنه يترفع عن النظر لمن هم حوله. ينفخ صدره كالمقاتلين و يحرك كفيه المفتوحين و كأنه يخشى التقاط احدى ميكروباتك. توقُعها لكل تصرفاته و اقواله و تحركاته اوقعها في فخ الصمت. كانت تقرأه و تتوقع تصرفاته و لم تكن التغييرات التي نقلها اليها ابنها سوى محاولة منه, من الاب, للمراوغة و ذر الرماد في العيون. 
خرجت بعد اقل من عشر دقائق متجهة للمكتبة العامة التي لن تغفل عن زيارتها. الكثير من الاشياء تغيرت في المنطقة لكنها لازالت تشعر بفيض من الفرح في كل مرة تزورها. لم تشعر بذات الشئ عندما رأته، كان و لازال طارئا في حياتها رغم كل السنين التي قضوها و الابناء و العمل و العائلة. 
سيقولون انها تخلت عنه. سيقولون انها لم تعتني به. هؤلاء الحمقى يحبون المظاهر الخادعة، يفضلون زوجة خائنة تصتنع الاهتمام بعائلتها و بسخافاتهم التي يرددوها، بامرأة تحضر كل القداديس و الاعياد لكنها تشتم بقبيح الالفاظ، بنتا تهاجم الشباب بعينيها الشبقتين و تقيم العلاقات في الخفاء. لكن ان تصبح امرأة مستقلة ترفض نخاسة الزواج الكنسي و مظاهر الطيبة السخيفة فلا. أرادوها صامتة لا تعكر رؤيتهم السخيفة الطفولية للعالم المثالي حتى لو باعت روحها للشيطان. 
توقفت امام المكتبة محاولة التنفس بعمق: " كفّي عن التفكير في كل ذلك، لا تسمحي له و لهم بتسميم حياتك، انظري دوما لنفسك، كوني ذئبا مع الخواريف المخصية و التيوس العنيدة."
رفعت رأسها تستقبل النسيم العليل ثم شدتها لافتة لمكتب مستشار قانوني. ابتسمت ثم اتجهت نحوه. 
" اعتقد انه لم يغير وصيته منذ أن قررنا الانفصال."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق