expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

السبت، 21 نوفمبر 2015

خطر

أخاف الناس الذين يحتضنوني بقوة، الذين يقبلوني بشغف وتلتمع أعينهم لرؤيتي.  أخشاهم و هم يعقدون عليّ الآمال و يتفاؤلون بي.  أرتجف أمام ثنائهم و يتراءى لي مديحهم كمِنجل ملاك الموت.
لقد سبق لي أن كنت مثلهم. اقدم التحية العسكرية للصور، أقبّل يد القسيس في الشارع و انتظر الخلاص في الوجوه الوديعة للاطفال. ككل أبناء المحاضرات الحزبية التوعوية، كجموع مرتادي التعليم الديني و كأطفال الكشافة ... كنت انتظر.
كلنا كنا ننتظر.  نترقب و نعاين الطرق. نترقب عناوين نشرة الاخبار وأرفف المجمّعات الاستهلاكية. كنا انقياء كطفل حديث الولادة.  و كنا عاجزين مثله.
لعلنا أو لعلي لم انفع سوى في هذا. الانتظار. اصبحت احترفه و أبيعه و أتربح به. ثم توقف كل شيء. بالأحرى تحرك كل شيء. او انني اكتشفت حركته؟ تنبهت و كففت عن الانتظار و بدأت أعاين؟
حسناً فلنقل ان الامر اتخذ بعض الوقت قبل ان استنتج ان المعلمة كانت تكذب علينا بشأن توزيع المرحى للذين يلتزمون بالهدوء. كان أبناء المعلمات يقتسمون الثناءات و الامتحانات المغشوشة. لم تصلني أبداً الهدية التي وعدتني بها الراهبة لالتزامي بالحضور و لم يهنئني أبي يوماً على شيء.
و هكذا اكتشفت خطر ان تنتظر. ان تتأمل و ان تصلي.
و خطر ان تشتاق.


اختناق

"لقد انتهيت للتو من قراءة رواية الرمال الزرقاء،  المقدمة اعجبتني جداً و طريقة سرد الاحداث.  كان هناك بعض البطء في الجزء الاول و الكثير الكثير من التفاصيل..."
كاد يرمي الهاتف أرضاً من غيضه قبل ان يهرب من شعور الاختناق الذي باغته بالنظر نحو ابراهيم الذي كان يشرح باستفاضة رحلته إلى أسوان ظمن فريق تصوير. كان ابراهيم مملاً و ملماً. كان الجلوس معه هروب بامتياز.
عند عودته فجراً للبيت و ما ان وقعت عيناه على المزهرية الصيني حتى عاوده شعور الاختناق و كاد ان يعود للشارع لولا ظهور أبيه في طرف الممر متجهاً نحو الحمام.
 بأي مناسبة تعرف اليها؟ قال لها كلمة او اثنتين مادحاً جمالها؟ ما الذي اعجبه بالظبط؟
- انت كنت فرحان كطفل يتلقى دراجة في عيد ميلاده، اتهمه صديقه.
- ولا زلت، ردّ مدافعاً.
تبعث له من جديد. تنتظر منه ان يناقشها في رواية سبق له و ان تحدث عنها و كتب حتى نقداً بديعاً حاز على اربعة نجوم و نصف في موقع القراءة الجيدة. لايكمن الضرر في اختلاف اراءهما، بل في ثقته الكاملة بأنها لاتملك رأياً. في تزلفها له. في اختراعها لاسباب للحديث إليه. في ادعاءها الثقافة و الاطلاع بل و الاهتمام بكل ما ينظر إليه.
- وما المشكلة في ذلك؟ انها تحاول التقرب منك.
- انها تخنقني، تصطبغ بلوني.
-و هل هناك من ينزعج من محاولات صاحبته التلون به، رؤية العالم بمنظاره،  التأثر بشخصيته و التقرب منه حتى على صعيد الافكار؟
نهض من مكانه منتفضاً وتقدم خطوتين نحو شباك الغرفة التي كان يتخذها ابراهيم مكتباً و غرفة نوم له قبل ان بتوقف من جديد محتاراً تائهاً.
-اللعنة، صاح غاضباً،  كيف لها ان تتأثر بي و انا نفسي لا اعرف من انا؟ انها تسجنني في خانة صغيرة لا استطيع الفكاك منها. تصبغ عليّ اوصافاً و مؤهلات لا أملكها.
في مكانه في وسط الغرفة الرطبة شعر ان عليه ان يقول شيئاً ما:
- انها تسممني، تسممني...
مضت لحظات طويلة قبل ان يقرر إبراهيم بالرد نافثاً دخان سيجارته اللف:
- بل قل انك مللت صحبتها يا مارق..