expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

الخميس، 21 ديسمبر 2023

نكتة

اعتدت لفترة من الزمن، و إثر تعرضي لإزمة نفسية قوية، أن أكتب أفكاري السارحة سريعا بدون ​تشذيب أو تفكير على ورق النوتات الصغير الأصفر قبل أن أقوم بالتخلص منها كنوع من استخراج الشحنة السلبية لأفكاري. ينصح ما يطلقون على أنفسهم بمدربووا التحكم بالطاقة أو سواها من مختزلات تدربيات التحكم في النفس والتنمية البشرية، بحرق الاوراق التي تحوي الأفكار السلبية كتصرف رمزي لمآلات هذه الأفكار فهي تشتعل في طاقة حرارية صغيرة قبل أن تختفي هباء في الهواء. لا أنكر أهمية الرمز في محاولات تدريب النفس و تنظيم عملها لكن كانت تواجهني اعتبارات السلامة في مسألة اشعال حريق مهما بدا صغيراً و تافهاً مع الأخذ في الاعتبار أن معظم الأفكار المؤذية كانت تأتيني وأنا في المكتب حيث لامجال للاستهتار باعتبارات السلامة. 
كان يمكنني التخلص من هذه الأوراق الصغيرة المملؤة بمعضمها بشتائم في سلة المهملات إلا أنني لم أجرأ على المجازفة بذلك أبداً. وهنا عقدة هذه الحكاية، حكاية إنسان خائف. 
​في كل مرة أكتب فيها على ورقة نوتة صغيرة، كنت أتحرى التخفي عن أعين أقراني في المكتب أذ استعمل القطعية الصغيرة من النوت، ذلك أنه في مكتبنا لا يوجد سوى قطعيتان: 3 * 3 و 2*1 و كلاهما باللون الأصفر لأنهما القطعيتان الأرخص. اذن كنت أسحب القطعة حتى طرف الطاولة الملاصق لجسدى وألف ذراعي حولها ثم أبدأ بحشوها بكلمات صغيرة تتساقط من جبيني وأحياناً من عيناي وأحياناً من فمي. شتائم، توعد بالانتقام، قطع من أفكار،  بكلمات صغيرة قبل أن أعود و أكتب فوق تلك الجمل و الكلمات بجمل و كلمات أخرى حتى تمتزج الخطوط وتلتحم الكلمات فتقبّل الشتيمةُ كلمات الندم وتتمدد الدموع على أسماء الأعداء. لم يكن الهدف شاعرياً بل كان هدفي أن تضيع الكلمات و الأحرف فيتعثر على الرقيب فهم ما أكتب. ثم كنت إذا انتهيت، قمت بإخفائها في جيب سترتي الصوفية قبل الانصراف إلى الحمام حيث أعمد إلى تقطيع الورقة إرباً إرباً قبل رميها في حوض المرحاض متنفسة الصعداء ومبتهجة بإرسالها إلى قنوات الصرف الصحي حيث لا أمل بأن يعثر عليها أحد.
ساعدتني تلك التدابير على احتمال الكثير من الألم و تصريفه، كما يقال في مجال الصحة النفسية، في قنوات بعيدة و آمنة. لكن ما تبقى لي من تلك التدريبات هو اكتشافي لكل الخوف الذي كان يسكنني لأن يكتشف أحدهم حقيقة أفكاري. لكن الأمر لا يعني فقط في الحفاظ على الخصوصية بل هو يذهب لأبعد من ذلك بتوهم أن هناك من يتربص للإيقاع بك و فضحك. 
يأتي هذا الهاجس من مسببات عدة ولكن أقربها للتميز هو النشأة التي نعتمدها في عائلاتنا حيث يكون الظهور بمظهر معين و التصرف بطريقة معينة هو المعيار الأساسي لقوامة السلوك و بالتالي للنجاح الاجتماعي. للرب الذي يراني ولا نراه، للعصفورة التي ستنقل كل تصرفاتنا، للملاك الذي يقف على أكتفانا يسجل الملاحظات. نكبر مع خوف خفي بأننا مشبوهون وأن أكثر أفكارنا طبيعية ستُسجل ضدنا في محاكمة علنية. 
 كنت أمضي الكثير من الوقت أوازن بين فرص حدوث خطأ في حساباتي و عملية الصرف فتقع إحدى تلك الورقات في يد أحدهم فيعمد لفك رموزها ثم ترجمتها وكشف أسراري. يالها من نكتة. 

الخميس، 2 نوفمبر 2023

هالوين مبهج

 أمضي في الشارع الموحل بسرعة. أستعجل الوصول للبقالة وشراء حليب للقط. أستثمر ما تبقى لي في حب كائن مسجون غير قادر على الإستغناء عني. 

أدفع الباب الحديدي وأدخل متجمهة فتسقبلني ابتسامة أحد الزبائن لأتذكر أني لازلت أحتفظ بزي التنكر. 

في العمل وحين دخلت صباحاً للمكتب، استقبلتني صديقتي في المكتب بابتسامة وهي تشير للقرون الحمراء أعلى رأسي : مهما حاولتي لن تستطيعي الهروب من مصيرك، أنت ملاك. 

رددتُ لها مجاملتها بأسى. ابتسمت، لما تظنه مجاملة، بأسى، لمرارة الاستنتاج.

أحث الخطى في طريق العودة فقد بدأت مسيرات الأطفال في شوارع المدينة كما كانت عادة الأجيال القديمة قبل أن يتفشى مرض الخوف ويُسجن الأطفال في البيوت.

 وفي حالةٍ نادرة لا تتكرر سوى مرة في العام يظهر الأطفال في شوارع المدينة، يمشون لوحدهم ويتقدمون نحو بيوت الأغراب، يطرقون أبوابهم و يطالبون بشجاعة بالسكاكر في استعادةٍ رقيقة لاحد مظاهر التاريخ البشري، هجوم للمرعبين وتهديد السكان العزل بالترويع ومطالبتهم بدفع أتاوة.

 

اهتمامٌ وطني بالإحتفال بالخوف والرعب فيما تعيش بعض المنتطق العالم رعباً يتسبب به هذه المرة وحوش حقيقيون لا يكتفون بالتهديد ولا ببضعة مكاسب. 

  

أهبط نحو الشارع بسرعة متفاديةً مجموعة من المراهقين يتسخ حذائي بالوحل ويتسرب الماء لقدماي فأسعد بتخيل الأوجاع القادمة تلهيني عن أوجاع الروح. 

أبتهج .