expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

الأربعاء، 25 مارس 2015

جايا

كان الجو يزداد حرارة و الطاقم الفضائي بقبطانه تصدر عنه نظرات نفاذ الصبر بينما يحاول اوخيليو بكل ما تبقى له من قدرات على استمالتهم لمساعدته. كان مع قبيلته التي نشأت اثر تجمع مجموعات بشرية قديمة بعد الانفجار الكبير الذي حطم الكثير من القواعد المكتظة بالبشر و رغم التباين الكبير بين بقايا هذه المجموعات الا انهم استطاعوا ان يتعايشوا لمدة تزيد عن الف عام في قاعدة تجارب قديمة متروكة على زحل... الا ان المناخ الصعب للكوكب و تزايد اهتراء القاعدة ا لتجريبية وبالاظافة الي عدم قدرتهم على اصلاحها اوصلتهم لهذا الحال .
معظم العوالم الفضائية لم تهتم لوجودهم و بعضهم قايضهم للحصول على شئ من المعدات المتطورة لتصنيع الماء لكنهم تعيسون و بائسون لدرجة ان لا احد حقيقة يهتم لمساعدتهم. لكن القبطان كوروس بسفينته الاستكشافية مد لهم يد العون اكثر من مرة و على اوخيليو ان يعترف و انه رغم كل شئ كان كوروس و طاقمه سببا في بقائهم احياء في الخمسين سنة الاخيرة...
نظر اليه مجددا مستعطفا: يا ايها العزيز كوروس، لا حاجة لان اقول لك اننا سنموت خلال اسبوعين،  سنموت جميعنا باطفالنا و عبوات ذريتنا التي تحمل بقايا مورثاتنا ..سنموت و ننتهي من الوجود ..اترى ان في ذلك شئ من العدل؟ شئ من اي قيمة علمية؟ هل فكرت بحجم الخسارة الكبيرة التي ستصيب الكون لو انتهينا و اختفينا؟ ..شعبي لا يزيد عن المئة الف نفس اكثر من نصفه اطفال و لدينا عبوات مورثات نحو ثلاثة الاف..قل لي ايها العزيز كوروس انك تستطيع انقاذ شعبي قبل ان تتحطم القاعدة على رؤوسنا و نختنق في العدم. قل لي انك على الاقل ستحمل اطفالنا و عبوات مورثاتنا..
رفع كوروس العظيم رأسه نحو الجموع المتزاحمة المختلفة الاشكال و الالوان و التي امتدت في القاعة الرئيسية الفسيحة الوحيدة ثم عاد بصوته الناعم الهادئ المتقطع يشرح لاوخيليو للمرة الثالثة و هو شئ لم يكن يصدق كوروس نفسه انه سيحدث له عاد يشرح :
- من كوروس 7891 الي خوليو تاهي23, ك 7891 هو قبطان اشا15, أشا 15 سفينة استكشافية لـ تاميل 6, تاميل 6 يلمع كالنجوم الازلية, أشا 15 لا تملك امكنة كافية لنقل بشر, أشا 15 لا تملك كابينات حماية لعبوات المورثات, أشا 15 لا تملك مواد حياة كافية, أشا 15 ليس من مهامها انقاذ شعب يموت, ....,
صمت قليلا و استدار نحو مرؤوسيه الذين بقيوا كالتماثيل المصمتة لكن اوخيليو كان يعرف انه ابناء تاميل لهم قدرة على التواصل لا يستطيعها هو اوخيليو و شعبه ...
عاد كوروس يتكلم: كوروس 7891 يفكر انقاذ عشرة بشر ممن يملكون مستوى اي كيو 160 و مستوى بارا170, اوخيليو يجب ان يكون سعيد لانه يملك اي كيو 168 و بارا 180, اوخيليو يذهب مع كوروس 7891 الي أشا15 و يبقى على قيد الحياة...
كان خوليو يأن و قد جمع قبضتيه على صدره:
- يا كوروس العزيز كيف لاوخيليو ان يترك زوجاته و ازواجه, امهاته و ابائه, ابناءه و بناته, حيواناته, و يعيش على أشا15 وحيدا معدما دون احباءه؟ سأموت قهرا و كمدا بدل ان اختنق, كيف اتركهم يموتون وحيدين من دون ان اقدم لهم اية مساعدة ؟
بدأ ينتحب بصمت بينما كان يعلم ان كوروس سيرحل حالا
بالفعل استدار كوروس مع مرافقيه العشرة لكن بدرت حركة ما من مجموعة المهندسين في المحطة التجريبية،  المهندسين برئاسة اوخيليو كانوا يملكون الكلمة النافذة على ساكني هذه العلبة التعيسة،  الحركة كانت من عل يسار اوخيليو و جعلت كوروس يتوقف. كان ارميس الذي تحرك فالتفت كوروس نحوه و قد التمعت عيناه. توقف اوخيليو عن النحيب و نظر بدوره نحو ارميس الذي تصلبت عضلات وجهه المليح. لحظة ثم قرر ارميس التحرك و تقدم الي يمين كوروس و عيناه معلقتان بعينا البشري الاعلى.
- خائن , خرجت الكلمة كزفير هامس من فم خاليا الطويلة التي كانت تقف على يمين خوليو... لكن ارميس لم يعد ينظر نحوهم. لقد اتخذ قراره.
- كوروس العظيم , دعني اتحدث الي شعبي فضلا, قال خوليو ذلك ثم التفت نحو صفوة ابناء جايا شعبه الذين تكدسوا في ما كان قديما مختبر ابحاث السرطان على الحيوانات،  ثم تحدث بصوته الجهوري :
- ايا ابناء جايا القديمة، انا نعاني و نكاد نموت, لكن القوة الام التي نحملها في دماءنا تجعلنا دوما و منذ الازل نجد الحلول و نخلص. يا امراء جايا و نخبتها الذين اصطفيتهم لاجتمع بهم مع كوروس العظيم, ها اني اقول لكم ما توصلنا اليه, تعلمون ان أشا المتطورة ليست معدّة لانقاذ او استقبال بشر من مواصفاتنا لكن كوروس العظيم، البشري الأعلى الطيب، و روحه الهادئة زايا الواقفة هنا على يمينه وعدونا بالانقاذ.
سحب خوليو نفسا عميقا ثم اكمل:
- لكن تعلمون ان الرحلات و خصوصا مع اضطراب نجم سولو 88 اصبحت اصعب و اطول لذا فان كوروس العظيم لم يعطيني وقتا محددا لوصول المعونة, لكن , و لمساعدته و تأكيد وعوده لنا فقد وافق كوروس على اصطحاب عشرة ابناء ممن سيضحون بحيوتهم و ارواحهم و املاكهم للذهاب مع كوروس و البحث عن المساعدة الملائمة لانقاذنا... انا هنا اصطفيت ارميس الحاذق و اطلب منكم على العجل باختيار التسعة الباقين ...
علت الهمهمات و الاصوات و ما ان لاحظ اوخيليو ان آرا الشجاع قد قرر التقدم تدارك الامر و قال موضحا:
- ان العيش في أشا و باقي السفن الكونية لا يناسب مواصفاتنا نحن ابناء جايا القديمين لذا فعلينا اختيار من يملكون اي كيو 160 فما فوق و بارا 170 فما فوق
فتراجع آرا و قد ظللت عيناه ظلمة الانكسار
مضت نصف ساعة و كان عشرة من البشر القديمين ابناء جايا قد وقفوا بقرب طاقم كوروس و يتهيؤا للذهاب قبل ان ينظر كوروس لاوخيليو و يسأله: وانت؟
- انا سأبقى هنا معهم مثل خاليا و احدود و هيتو و الكثيرين الباقين.. نحن لا نستطيع الموت وحيدين يا كوروس الكريم..
- من المستحسن ذلك , قال كوروس, فانت لازلت تعاني من امراض البشر القديمين يا اوخيليو،  لازلت تبكي و تندم... . وداعا
قالها ثم التفت نحو مرافقيه و العشرة المصطفين و رحلوا....
- كان علي انقاذه لأرميس المتهور من القهر و الدموع و الموت الذي سيحيق به وحيدا هناك في أشا الموحشة, همس اوخيليو لخاليا و هما يجتازان الممرات الموبوءة،  كان علي التمسك بفرصة النجاة لعشرة من ابناءنا...
- لماذا لم تذهب اذن يا اوخيليو؟
هز رأسه نفيا:
- لا استطيع , مثلك، لا استطيع...
كانت تقارير تلك الايام تقول اننا سنموت خلال عشرة ايام لكن خوليو و امراء الشعب حاولوا اصلاح قاذفات البروتون و مطورات جاما و هكذا استطعنا البقاء احياء مئتي سنة اخرى حاول فيها اوخيليو ثم خاليا من بعده الاتصال بكوروس او اي سفينة فضائية لكن المحاولات بائت بالفشل. النطاق الكوني هنا خطر و نادرا ما تقترب منه السفن او حتى الاقمار الاستكشافية.
الان و قد عادت  تقارير الخطر للظهور لاسباب كونية لا ندركها عاد شعبنا يتسأل عن مصير ابناءه العشرة و محاولتهم لانقاذنا..هناك من يقول انهم ماتوا و قضوا في اشا الموحشة, هناك من يقول ان كوروس خدع اوخيليو و قد قام باستخدام ابناء جايا العشرة كمخصبات و لكن هناك ايضا من يعتقد و يأمل ان احد العشرة لا زال حيا او احد ذريته و انه لا محالة يحاول العودة و انقاذنا...
الكثير من الفرضيات و الكثير من الشجارات بينما تزداد كل يوم وتيرة تقارير الخطر...

الاثنين، 16 مارس 2015

صفحتها

بحذر مشوب باللهفة ينقر ببنانه على اللوح الإلكتروني ..
يتنقل بين صورها و محادثاتها بصمت
حتى انفاسه
تتردد في صدره ببطء
و سكون
لا يعلم عما يبحث
لكنه يبحث
عنها؟
عن احدهم؟
يستمر بالتقليب في لحظاتها المارقة
لعله يحظى بنفسه


الخميس، 12 مارس 2015

طلب صداقة

انا سبت التابلت و قمت فتحت الكمبيوتر الغتت البطئ لاتمكن من مشاهدة الفيديو الاخير ..... و لمن حاولت اعلق اكتشفت ان التعليق (لسه برضه) غير متاح
قلت اتزانخ بقى و اطلب صداقة
و انا بفتح صفحتك لطلب الصداقة اكتشفت اني تطورت و اصبح هناك ثلاث اصدقاء مشتركين ****بيناتنا****
المهم
قلت لنقسي ياه ده المفروض يقبل بسرعة الصداقة (رغم اني متأكدة انه لو كان شعري اشقر فالحظوظ ستكون اوفر بكتير)
انا حاليا نسيت كنت هاكتبلك ايه كتعليق على الفيديو مع اني الصراحة كنت قد نويت اني افتح الرسالة ديه بيه ..يعني اقولك و الله بالنسبة للفيديو بلا بلا بلا بلا
و هنا نشوف حجم الضرر الكبير اللي حصل
و يمكن للسبب ده بالذات انت مش فاتح التعليقات لغير الاصدقاء اللي بتعرفهم بجد و بالحقيقة علشان تعرف تقييم تقييماتهم لبوستاتك
بعني يمكن لو تعرفني حقيقة و تعرف اني كنت بعتبر شريف عرفة في يوم من ذات الايام انسان عنده خيال..اعتقد اني لو قلتلك واوا رائع مش هتفرق معاك
احنا وصلنا فين؟
اووووووه اسفة
انا برغي كتير و ديه مشكلة
بس
المشكلة الحقيقية هتكون لو انك رفضت الطلب :))

السبت، 7 مارس 2015

كما يريد

تقدمت نحوه بهوادة و بطء،  تسترق النظر باتجاهه ثم تحول عينيها عنه و قد ارتسمت على شفتيها الرقيقتين ابتسامة ناعمة
تقدمت بخجل و دلع
كما يريد
حطت بوداعة على الوسادة يمينه و سألته باهتمام عن احواله و انتظرت بصبر و دعة اجاباته
كما يريد
لعله اليوم مشغول البال او بائس فيصحبها في رحلته المضطربة بالكلمات و الجمل و التصاوير المملة
قد يروي لها الكثير من الحكايات و ستسمعها مستأنسة دون ادنى محاولة للفهم او الاستفسار عن تفصيلة ما الا لو كانت من الذكاء ما يجعلها تفهم اي تفصيلة ينتظر عنها سؤالا
كما يريد
و قد يكون صامتا ساهما يجيبها باقتباض فعليها ان تفهم رغبته بالكتمان و تحترم خصوصيته فلا تزعجه اكثر
كما يريد
في كلتا الحالتين يقع على عاتقها مهمة تسليته و الترويح عنه،  و الاهتمام به،  تدليله و النظر الى بهاءه المطلق بعينين لا تشبعان و لا تخلوان من غواية
كما يريد
ثم تأخذه الى بعضٍ من عالمها،  جزء بسيط منه،  فسحة من روحها مخصصة لاعجابه، لنزهاته،  لقبلاته
لا اكثر
كما يريد
تسرح به فينسى ثقل واجباته اليومية و يزيح عن كتفيه ثقل تخيل الاحلام
و يسعد
يبتسم
يطمئن لها و يعدها بتكرار الزيارة
بتكرار هداياه
و عطفه
فتسعد
قبل ان تقوم لتنصرف
و قد اخذت اجرتها التي ستدفعها ثمن للكحل و الحلّي و ايجار الغرفة
و تمضي عن عالمه
كما يريد

الأحد، 1 مارس 2015

و حياة اللي عاش 2



مضت ساعات طويلة و ربما ايام. لم يكن لاحد من الراكبين ان يجزم و يحدد الزمن الذي بقيوا فيه في ذلك القارب الغريب يقودهم ذلك الرجل الاغرب. في اوقات ساد الهرج و المرج و زعق احدهم مغتاظا و اوقات اخرى تظهر قهقة هنا او هناك و لكن الصمت كان هو الذي يحوز على الجزء الاكبر من تلك الرحلة الغريبة
تنقل جبرا بين الركاب و وقف قرب البحار الغريب المتوشح بالسواد و ركز طويلا امامه محاولا استبيان اي شئ لكن العتمة كانت محيطة بكل المشهد.. لم يناموا و لم يعطشوا او حتى يجوعوا. حتى العادة التي استحكمت بجبرا و التي كانت تجعله يمد يده لجيب جاكيته الداخلي لاخراج باكيته الدخان كانت مجرد عادة و ليس بسبب شعور بالحاجة و لم يرافق التنبه لفراغ الجيب اي احساس بالضيق..
اخيرا عاد جبرا و جلس مقابل منيرة على كومة الحبال. كان يتحدث الانكليزية طبعا لكنه لم يشعر بالراحة للتحدث مع اي من الركاب. منيرة كانت الاقرب له و كأنه امه او احدى قريباته . كان يرتاح بالتحدث اليها.. اخيرا قرر ان يحدثها عن شئ شغل باله طوال الرحلة..
- بتعرفي يا ام...؟؟
- جورج , عندي ابن وحيد اسمه جورج و بنتين سميرة و امل ..
- و النعم, بتعرفي يا ام جورج انو بالقداس قام الابونا يقول الوعضة و قعد يقول ايات من الانجيل و صلوات و بالاخر قعد يحكي عني.. و حياة العدرا انا كنت خجلان, حسيت انو عم بيحكي عن قديس مو عني, كنت مبسوط مبسوط كتير و انا شايفلك هالناس واقفين لابسين اسود و بناتي و مرتي يمسحون دمعتهن و ابو جان سلفي واقف يصف الناس و ابن عمتي يحمل صناديق لقمة الرحمة و حياة العدرا انبسطت و قلت الحمدلله يا رب اني متت بعز وقفتي و ما انذليت لاني بصراحة ما كنت طيق واحد منهن كلهن...
حركت منيرة رأسها يمينا و شمال كانها تحاول التقاط ما يقوله بعقلها فقد كانت امرأة بسيطة رغم كل ما شاهدته و عرفته بقيت قدرتها على استيعاب الامور و تفعيلها قدرة منقوصة و غير فعالة
- و حياة الله يا ام جورج حسيت كنت مبسوط لحتى وصل الابونا لفقرة يحكي فيها عني اني اب منيح و ربيت ولادي و هيك.. انا كنت مبسوط لحتى, قال الجملة و هو يرفع بشكل مسرحي يسراه في الهواء و يظم اصابعها كقمع ثم يهبطها بحركة مسرحية في راحة يده اليمنى المستلقية على ركبته اليمنى كمشهد سقوط نيزك على سطح الارض, لحتى جاب سيرة مرتي بنت الكلب, قام يحكي انها سيدة راعتني و حبتني و كانت مثال للسيدة المسيحية التي تتبع زوجها و حكي فاضي كتير....
رفعت منيرة حاجبيها مستهجنة فشرح جبرا:
- انت ما بتعرفيها يا ام جورج , باين عليكي ست مرتبة و مذوقة و فهمانة , قال الاخيرة كمحاولة لاسترضاءها لا غير, بس لو عرفتيها كنتي صدقتيني, هاي المرا من يوم ما شفت خلقتها ببيت خالتي صباح و قعدت الله يرحمها امي و خالتي يزنوا براسي اتجوزها لانها كانت اخت مرت خالهم و قعدوا يزنوا و ينقوا لاتجوزها .من هداك اليوم ما عرفت الراحة. مرا نقاقة و حسودة و ساهية ما بيعجبها شي.. كرهتني حياتي و كل يوم خناق كل يوم خناق..و حياة العدرا لولا اني خايف الله كنت قلبت مسلم كرمال طلقها و اهرب منها... بس الواحد شو بيقول عنده اولاد و بيت و خايف يصيبهن شي...
هز رأسه متأسفا ثم زاد
- لشو ليجيب سيرتها؟ مو انا اللي ميت؟ مو هادا عزاي؟ يعني لو هي انقبرت ماتت رح يجيبوا سيرتي و يقولي شوفوا قديش اتحملها لحتى فقعت مرارته؟ بعدين مو عيب على ابونا مرتب و محترم انك تكذب ؟ مفكر انو الله رح يسامحك ؟ و حياة العدرا و ابنها المخلص انا ماني مسامح.. قال مخلصة و محبة و راعته..وين راعتني بنت الكلب كانت تزعق طول اليوم متل الملسوعين بعقرب و مزعوجة يوم ما شفتها تضحك ..
تأفف متأسفا ثم قال:
- نزعلي عزاي ..نزعلي عزاي

و حياة اللي عاش 1

(المشهد قارب خشبي واسع بعض الشئ من دون شراع و في مقدمته رجل بثوب اسود فضفاض يغطيه من رأسه حتى قدميه. الرجل يمسك بدفة القارب التي هي عادة تكون في الطرف الخلفي بس الموضوع هون مختلف شوي. القارب يتقدم في مياه داكنة و ظلام دامس. ازا خيالك ما ساعدك فيك تشوف فلم وودي آلن)
كانت منيرة و هي سيدة في اواخر العقد السبعين من عمرها قد جلست بفستانها التفتة البيج المذيل بدانتيل ساتان مهذب في اخر القارب منزوية و قد بانت على وجهها علامات الاسى. لم يكن جبرا ليقترب منها لولا انه تيمن فيها معرفة لغته ذلك ان باقي الركاب كانوا بسحن غريبة.
اقترب منها و عندما وجدها لم تلحظه تلويحة يده قرر ان يجلس على كومة الحبال مقابلها و مد يده كعادته نحو جيب جاكيته الكحلي الجديد ليسحب باكيته الدخان لكن الجيب كان خالي ككل جيوبه.
اخيرا و بعد نصف ساعة سألها و قد تأكد له انها تتحدث العربية مثله:
- من وين يا خالة؟
فجأة التفتت نحوه بهدوء لكن بريبة و كأنها تنتبه لوجوده لأول مرة ثم تفحصته جيدا قبل ان تقرر الاجابة:
- من حلب..
و عندما وجدته يهز رأسه ايجابا اكملت, بس اصلنا من ميردين
- أه, ماردين قال جبرا, ايوه ايوه عرفتها سمعان فيها, اهلا و سهلا انا من سيدني باستراليا , قالها و هو يشير بيده بعيدا نحو الخلف و كأنه سيدني تقع في مقدمة القارب, بس ولدان بزحلة و اهلي من الجزيرة..
- اهلا, هزت منيرة برأسها و قد اختفى الارتياب من على وجهها ...
و هكذا وببطء و صبر اخذ جبرا يحدثها عن عمله قبلا و حياته و اسرته و اولاده و هي ترد باقتضاب لكن بود ...
و بعد فترة طويلة من الصمت و على اثر حركة ضحكة مفاجئة من الطرف الاخر من القارب حيث كان يوجد طفل اشقر بولوني لم يتعدى العاشرة من عمره و هو يتابع حركات ايدي رجل اسود اربعيني بقدم واحدة و ملابس مهترئة من ساحل العاج, ضحكة جعلت منيرة تتذكر شيئا ما من ماضيها في الحياة و تخرج زفرة عميقة و تقول:
- طيب نحنا و عمرنا خلص و هاي حكمة الله بس هالولد ؟ مو حرام يموت صغير؟
- ايييه, قال جبرا صافنا في وجه الطفل, و الله يمكن لو انا متت من عمر العشر سنين كنت رح كون مبسوط اكتر, عيشة كلها نكد بنكد الله وكليك...
- تعرف؟ قالت منيرة فجأة و قد عادت لها شهية غير معروفة للكلام, تعرف اني طول عمري بسمع الكلمة و ما كنت اغلط بحدا و بوجب الناس و بعمل دايما المنيح؟ بس هدول الناس ولاد كلب و ما بيستاهلوا..
اغمض جبرا عينيه نصف اغماضة محاولا فهم الفكرة من كل ما تقوله و كاد يسألها لولا انه آثر الصمت فأكملت كما كان يرجو..
- لمن اتجوزت كنت اصغر سلفاتي و اخدوني للغربة لبلد غير البلد اللي فيها اهلي , للحسكة, قالت له موضحة و كأنه يعرف ما هي الحسكة, و كنت مدللة ببيت اهلي يا دوب خمستاش سنة و امي ما تخليني اعمل شي, ببيت حماي لمن كنت عروس كنت قوم و اشتغل و كل شي متل كل هالناس لانه خلص بيت الاحما مو متل بيت الاهل..
هز جبرا رأسه موافقا
- بيوم اجو بيت خاله يعقوب , خال جوزي , لبيت حماي سهرة و قمت خدم عليهن و ما قعدت ابدا و بعدين طلعت ع الحوش لحتى قطع الجبسة..
امام نظرات جبرا المتسائلة شرحت له ان الحوش هو ساحة الدار في البيوت القديمة و انه الجبسة هي البطيخ الاحمر..هنا كانت لهجتها حلبية تماما غير لهجتها و هي تروي القصة
- انا مسكت السكينة الكبيرة و ما كنتو اعرف استحكمها و جيتو اقص الجبسة و انكسرت الجبسة غلط, خفتو حماتي تتمسخر علي قدام خالو يعقوب و مرته و ما عرفتو شلون اتصرف, كانت تحدثه و هي تحرك يديها بشكل مسرحي ممثلة المشهد القديم, قمتواخدتو الجبسة الصغيرة و رحتو كبيتوها في التنور, التنور اللي نخبز فيو الخبز, قالت شارحة لجبرا الذي بدت له القصة و قد حدثت في غياهب التاريخ القديم و لم يكن ليستوعب ان هذه السيدة قد عاصرت الخبز بالتنور الطيني الذي حدثته مرة عنه جدته
- المهم اجت سلفتي الكبيرة انطوانيت و قصت هي جبسة تانية بلا ما تعرف شي...تاني يوم و نحنا قايمين تنخبز شافت حميتي الجبسة المكسورة و عرفت انو انا اللي عملتو هيك و قالتلي تاني مرة لا تكبيها حرام و خليها على طرف ناكلها نحني....
هز جبرا رأسه موافقا و هو لم يفهم حتى الساعة السبب الذي استدعى رواية هذه الحكاية لكن نظرات منيرة المتحفزة و قد عقدت يداها المعرورقتان المنتفختان ذات الجلد الملس على ركبتيها قد نبهه ان الحكاية لم تنتني بعد و هكذا كان فقد اردفت منيرة تكمل و قد بدا على محياها الرقيق الذي كان ذات يوم وجها ناعما يسلب النظرات , بدا عليه الغضب:
- بعد هالعمر كله و بعد كل شي سويته و التوجيب و المحبة و الضيافة و الهدايا , بعد هادا كله تقوم سلفتي سعاد اللي تكبرني و طول عمرها كانت تغار من تقدير ابو جورج و محبته لالي تقوم و في عزاي ما بتحكي الا هالقصة؟
نبرتها المستهجنة نبهت جبرا الي انه عليه ان يقول شيئا فقال هو ايضا مستهجنا:
- العمى؟!!!
- شفت خيو؟ قالتها و قد قلبت للحلبي, شفت اديش في عالم حسودين و عينهن ضيقة؟ ما شافت قصة تحكيها عني و تذكرني فيها بالخير و انا لسه بالتابوت و الناس بيسلموا على ابني جورج و مرتو يعزوني غير هالقصة تحكيها؟ سممت بدني و حياة ربي سممته و انا كنت زعلانة ع الولاد و قلبي قابضني على ميري بنت ابني و هي زعلانة و ما عم تاكل لقمة الرحمة و اجاني صوتها لهاللئيمة....