expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

الاثنين، 15 يوليو 2019

الحقيقة

ها أنا بعد سنوات قضيتها في بغض الحقيقة و تفاديها
الحقيقة التي طالما غنيت لها وناديتها
ها أنا أمامها
اعترف أخيرا بنفاقي لها 
ها أنا أمامها
أراها وتراني و أراني بها
أراني ضمن حقيقتها
ضمن كل ما هربت منه وتفاديت النظر إليه

أجد نفسي ضمنها في قلبها او صدرها او على حافة اطرافها 
أنتمي لها و تكاد تكون امتدادا لظلي

ويروق لي رغم الحسرة أنها ليست بتلك البشاعة
ويروق لي رغم الحسرة أنني لست بهذه البشاعة
ويروق لي هدوءها الموحش
لا ضوضاء أو صخب
ليس هنا سوى الصمت
فأمضي
أخطو بإتساع
مهمومةُ بحقيقتي
أمضي في ممراتها
وقد تجلّد قلبي
أطرق على حوائطها العاتمة فلا أجد سوى الخواء
خواء الصوت فلا صوت للطرقة و لا صدى
هاهي الحقيقة
هي الخواء

العملية رقم 364


بينما كانت له مجرد جارة يلتقيها نادراً في دروبه كان هو بالنسبة لها عملاً يومياً دؤوباً.
كان يلتقيها عند نهاية درج الطوارئ الذي يتخذه هابطاً من دوره التاسع  بدل التكاسل واستعمال المصعد الذي يزيد شعوره  بمحدودية هامش حركته. أحياناً يراها تمر بالبلازا التجارية الصغيرة قبالة البناء حيث يسكن، تلك المحال الصغيرة التي تحاول مقاومة المنافسة الشرسة للمركز التجاري الكبير الجديد في أخر الشارع الرئيسي.  أو يلمحها في محطة الباص تنظر بإستكانة و هدوء في هاتفها. لم يبدو على وجهها تعبير معين مثير للاهتمام لكنها غالباً ما كانت ترتدي فساتين بقصات قديمة كما كان شعرها طويلاً مرسلاً على ظهرها. لعل هيئتها الكلاسيكية تلك هي التي جعلته وغيره يحفظون شكلها و يلتقطون وجودها فيتذكرونها. 
أما هي فكانت تترقبه في  ساعات خروجه للعمل قبل السابعة من شباك غرفتها الذي يطل على موقف السيارات ثم تنتظر عودته قبل الخامسة. فيما بعد سيتوجب عليها الخروج عند موقف الباص وانتظار باص وهمي لتتبع خروجه الغير منتظم مساءً.  من حسن الحظ مرور عدة خطوط لباصات مختلفة بذلك الموقف إذ لن ينظر أحدهم باستغراب إذا ما مر الباص و لم تصعد، سيظنها تنتظر الرحلة القادمة.
منذ شهرين بدأت تبحث عن مكان عمله. كانت قد التقطت معلومة من على حسابه في موقع اللينكدإن لكنها لم تستطيع العثور على الشركة بين متاهات المدينة التجارية التي قادها إليها سائق التاكسي بعد أن حاولت سابقاً الذهاب بالباص. كانت شوارع المدينة التجارية واسعة مفتوحة بمساحات خضراء تمتد أمام الأبنية مما يجعل مهمة التوقف والترقب صعبة. كما أن معظم العاملين يستخدمون السيارات و ستلفت النظر حتماً لو حاولت التسكع في تلك المنطقة.

له أكثر من سنتين من دون رفيقة. كان الأمر في البداية مثيراً عندما رحب به صديقه إيريك مواسياً: "لقد عدت أخيراً لحلبه اللعب".  تشاجر مع ماري-لو تاركاً الشقة لها. كان قد ترك عمله القديم في المطعم كمحاسب و يبحث عن عمل أكثر استقراراً و بتأمينات أفضل بينما كانت ماري-لو منهمكة حتى رأسها في دراستها ولم ينتج عن كل تلك الرتابة و التعب المستمر سوى تفجر علاقتهما. أكثر من سبع سنوات فاترة كانا خلالها يدرسان ويعملان لساعات طويلة لجمع ثمن شراء بيت أحلامهما على طرف بحيرة في الشمال. لكن بدا ذلك أصعب مما اعتقداه وتسلل الاحباط بهدوء لحياتهما و أصاب بالعدوى حتى الحب اللطيف الذي جمعهما. 

أما هي فقد كانت تعلم أن عليها اتخاذ خطوات أكثر جرأة لالتقاط المعلومات عنه ، معلومات أكثر دقة و أكثر نفعاً. لكن نفعاً لماذا؟ لم تكن تعلم حقاً. لقد شد انتباهها منذ عدة أشهر و من يومها و هي تعمل و تقسم يومها استناداً على حركته و ما يمكن أن تعرفه عنه. سبق لها أن كسرت صندوق بريده لكنها لم تجد سوى بعض الإعلانات التجارية وظرفاً يحمل عرضاً لكرت كريدي لكن من دون أي معلومات مهمة. كانت ستعيد الكرة لولا أنها سمعت مذيعة برنامجها المفضل تقول في إحدى فقراتها  أن الناس لم يعودوا يستخدموا البريد و عليه فهي حالياً تعمل على فك شفرة الانترنت الخاص به. لا تعرف كيف، لكنها تحاول وتعمل على البحث عن طريقة لقرصنة شبكات النت.
لم تصل بعد لشئ يذكر. قد يكون من الأسهل عليها سرقة هاتفه. لكنها قلما تصادف وجودها بقربه. ستحاول مجدداً مع صندوقه البريدي.