expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

السبت، 25 يونيو 2016

الخزي

يفتح صندوق الرسائل البريدي و ينقر على الرسالة الواردة من حازم. تعرف عليه حديثاً في أمسية للتراث الموسيقى الشرقي و تحدثا لمدة طويلة عن مشروعه في تعلم العزف على القانون ثم قضيا باقي الامسية في مقهى مع عدد من الرفاق المشتركين يناقشون الاحوال الراهنة. حازم ناشط ميداني و لعل هذا هو اكثر ما جعله ينصت إليه باهتمام. اخيرا، وهو الذي كان يحلم دوما بالانخراط في مجال العمل العام، ها هو يلتقي بناشط ميداني مع قصص حقيقية رغم انها تفتقد للإثارة لكنها مقنعة والاهم ان حازم يرددها بدون افتعال و عند الطلب منه فقط. لكنه ورغم كل محاولاته للبقاء واقعيا و التحدث بمنطق الاحداث الراهنة إلا انه يحدث و تفلت منه كلمة او اثنتين عن حلمه فتلتمع عينيه.
حرمه والداه من الانخراط في أي نشاط، ركز في دروسك، هذا ما كان يردده والده و يطالب ابناءه به. و عندما لم تنفع الشهادة تحول الامر ل ركز في شغلك. ثم في هجرتك.
اليوم يفتح الرسالة الواردة التي وعده حازم بإرسالها. انها دعوة للانظمام في مجموعة لمساندة العمل الميداني. قضايا كثيرة مثارة. القضايا نفسها التي كان يسمعها من ابن عمه. اطفال الشوارع, الغارمات، إنشاء مكتبة في منطقة نائية.
اليوم القضية الاهم هي مساندة امرأة مسجونة بسبب غرامة مالية. نقر زر مشاركة القضية بدون ان يقرأ التفاصيل و ارسلها لكل من يعرفهم.
في الظهيرة و بعد تناول الطعام في شاليه أب سولانج صديقته فتح مجددا صفحته على الفيسبوك ليتابع ما يحدث. هناك جزء من اصدقاءه الكنديين الذي شاركوا موضوع المرأة الغارمة وهناك من ابدى استعداده للتبرع. ابتسم. هاهو يصبح ناشط. اخيرا.
تلسعه كريستين زوجة حماه كعادتها بسؤال عما يفعله، تقصد إمساكه بالهاتف بينما هو جالس معهم. يبتسم بطيبة خاطر و يشرح لها انه يطمأن لحالة مشروع تطوعي. تسأله التفاصيل.
في المساء. وحيدا بعدما ترك سولانج تقضي السهرة عند أبيها و تحجج بالعمل و عاد للبيت. متكئاآ على مسند الكنبة، كان يفكر في أبيه.
المرأة الغارمة التي كان يشارك في البحث لمساعدتها كانت قد استدانت مبلغا كبيرا من المال فوق طاقتها لمعالجة أبيها الكهل من سرطان الرئتين. بقيت تعالجه لسنة كاملة وهي تتأمل أنه سيُشفى و لم تفكر بعواقب كل تلك الديون المتكتلة و هي ام لطفلين و حامل بالثالث. والدها كان وقتها يقارب الثمانين من العمر.
عاودته ذكرى مرض ابيه الاخير من سنتين. تذكر كيف كان و اخته حنان يتناقشان مصاريف المستشفى و العلاج. كان كل يوم للاب في المستشفى يكلفهم 300 دولار. جهاز التنفس الاصطناعي كان غاليا عدا الادوية. خلال شهرين كانت حنان قد استنفذت مدخراتها الشخصية. قبلها بسنة كان هو قد ارسل كل ما ادخره لعملية أمه. والدة كان يحتاج مبالغ خيالية لا يستطيع تأمينها إلا إذا لجأ لاستعمال قروض ذات فائدة عالية.
يومها تحدث سكايب للطبيب المعالج و امه و اخته و اتخذوا جميعا قرار ايقاف جهاز التنفس عن أبيه الذي رغم تعبه الشديد إلا أنه كان واعيا تماما.
لم يقولوا له شئ. للاب. ودعوه بكلمات لطيفة و دموع غزيرة.
قتلوه؟
"مالذي كنت تستطيع عمله يا إيهاب؟ عملك في الجامعة لا يدر الكثير. سيارتك القديمة لم تكن لتسد مصروف اسبوعين. اسبوعين من الحياة لوالدك. اسبوعين. اسبوعين من رؤية نور الصباح و سماع صوت حنان تتلو عليه الصلوات. ألم يكن الامر يستحق ؟
والآن؟ تتحدث بلسان تلك المرأة الغبية التي غلب حسها العاطفي عقلها فاستدانت دون ان تفكر لحظة بما سيترتب عليه كل ذلك؟ تحاول ان تساعدها؟ تتصل برفاقك لمساندتها؟ هل كنت ستفعل ما فعلته هي؟ هل كنت ستستدين كل تلك الاموال و انت لديك اطفال فقط لتطيل حياة كهل ليوم او اثنين؟
كيف تدعم اشخاصا أنت نفسك لا توافق على مواقفهم؟
كيف تتحدث بلسانهم؟"
قام و اتجه لغرفته
"لا. انت تشتت الموضوع." نهر نفسه
" لا دخل لك بما فعلته تلك المرأة. هي اتخذت قراراً يوافق شخصيتها و طباعها. الحق ليس عليها. كل ما هنالك أن شعور الخزي لا زال يقرض روحك لأنك في قرارة نفسك تشعر انك لم تضحي بكل ما تستطيعه لانقاذ والدك."
نظر للمرأة يطالع وجهه لكنه لم يجدها. كانت سولانج قد رفعتها للتحضير لإدخال السرير الجديد ذو التكلفة الرخيصة الذي عثرا عليه ذات يوم و هما يتمشيان في المحلات التجارية و يناظران الرفاهية حولهما ويحلمان بها.
جلس إلى طرف سريره القديم.
" الخزي يا إيهاب. الخزي. و الشعور القاتل بأنك عاجز."