expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

الجمعة، 25 ديسمبر 2020

لو كنت معي

هناك بثر أسفل إبطي. صغيرة جداً لم ألحظها إلا صدفة. تكاد تكون بحجم رأس دبوس.

لو كنت معي ، هنا بقربي، كنت حدثتك عنها. كنت أمسكت يدك و واتجهت بطرف. إصبعك نحوها لتتحسسها و تقدر حجمها. 

كنت ستتظاهر بالاهتمام بينما يشي مظهرك كله بالتململ. قد تتحسس البثر الصغير وقد تهتم بتفحصه لمعرفة لونه. لا هذا ليس أنت. في الغالب كنت ستنصحني باللجوء للطبيب رغم معرفتك لكرهي للعيادات.

لو كنت معي، هنا بقربي، لكنت حدثتك عما تقاسيانه يداي في الشتاء. فمع هبوط درجات الحرارة واختفاء الشمس تذبل الحيوية في أطرافي كأوراق الشجر و تزداد حساسية جلدي للماء وتصبح أناملي هشة. تنجرح من طرف ورقة أو حزة كيس بلاستيكي. انظر! كنت سأقول لك وأنا أفتح كفي في الهواء أمامك، حتى الجلد أصبح خشناً ومع الجروح تكاد تكون يد طفل. 

كنت ستتظاهر بالاهتمام، بمراقبة يدي، وقد تتظاهر باكتشاف جرح جديد وقد تسأل عن سببه فأرد بإني جرحته حينما كنت أأرشف ملفات الموردين في الشركة أرفع أوراقاً من حواملها ااكرتونية لأوضبها في علب. لكن لا، هذا ليس أنت. 

في الغالب كنت ستشيح بنظرك وتقترح بمراجعة الطبيب. لو كنت تعرفني كما أعرفك لعلمت كرهي للعيادات.

لو كنت معي، بقربي الآن، كنت حدثتك عن شعري وقصتي معه. عن ازدرائي الطويل له ومعاملته بجفاء وإهمال. عن اكتشافي مؤخراً لطبيعته الطيبة مثلي، لاحتماله للفصول، ولصفاءه. هل كنت لتعترض على التوصيف الأخير؟ أو ربما تستهجنه و تؤنبني على عدم الوفاء بوعودي بدراسة اللغة والاهتمام بها؟ لكن لا، هذا لم يعد أنت.

في الغالب ستوافقني صامتاً هارباً مني غارقاً في أفكارك التي لاتهدأ.

الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

اسمك حبيبي كلام جديد

اسمك كلمة سر بريدي

مفتاح أسراري و هزائمي 

كان المفروض أن أغيّر المفتاح بعد رحيلك لكني ما فعلت.  خشيت نسيانه، نسيان أن اسمك كان كلمة سر حياتي لأيامي الخالية.

الاثنين، 29 يونيو 2020

صنم


كم كنتَ تتحدث عنه في شبابك. تتشارك وجيرانك في السوق تبادل المجلات، الأفلام، الطرائف عنه. حتى العاهرات القلائل. كم كنت، مثلهم مجموعة من العازبين الأثرياء في مجتمع محافظ بليد، تروي القصص بشكل تقني، الوضعيات، الفتيات، القوة البدنية، كنت تستدعيه كنشاط ما، كقدرة ذهنية على حساب أرقام متعددة، أو كموهبة في التقاط كلمات اللغات المختلفة.

لكن، قد يحدث أن يتوقف السحر. أت تصمت الآلة . قد يحدث أن تهدأ الأخيلة. أنت تكره الاعتراف والقول بافتقادك لشيءٍ آخر. تكره القول أنك تفتقد الحب. ذلك الصنم الذي لعنته في البداية و عللته بنزعات جسدية غير مشبعة و بشّرت بأن الجنس هو الإجابة لكل الأسئلة. لكن ها أنت تفقد مفاتيح العمل التقني. الفعل الجسدي. أو تراها تغيّرت؟
تجد نفسك تقلّب الكتلوج الضخم الذي طالما نجاك من التهلكة، تهلكة الوحدة والأهمال و عدم الوصول للرضا. تجد نفسك تبحث عن بشارة جديدة. عن كلمات ومعاني جديدة . او تراها قديمة هجرتها لغتك؟
كيف تعيش؟ تستيقظ؟ تستمر في يومك؟ تعود لملجأك ؟ كلها أفعال أصابتها عدوى الخمول والصمت وأصبح مصيرك يرتبط في إيجاد لغة جديدة . في الجنس كما في الحياة.

الثلاثاء، 9 يونيو 2020

فقاعة مائية

مستلقية في حوض الإستحمام استرخي بعد حصة اليوغا أتفحص نتوءات الدهون الزائدة في جسمي و تشققات جلدي و الخطوط الوردية المتعرجة للشعيرات الدموية على أردافي. دلائل النضج. 
 كما أثر الشق في أسفل بطني هو دليل الأمومة.
 "أوسمة" كأوسمة الحرب، يقول الخطاب المدني الحديث المنتشر بين نجمات الفاشونيستا و سياسي العولمة. 
لم تذب الصابونة الهاند ميد، من براند مشهور لمستحضرات العناية بالبشرة والتي تلقيتها هدية من ابنتي، لم تذب بشكل كامل.
دفعتها بقدمي نحو جدار الحوض و ضغطت عليها برفق. تفلفصت اجزائها ببطء و اندثر اللون الزهري المخلوط بذرات لامعة بين أصابع قدمي. شعرت بالرضا. لم ألعب كثيراً في طفولتي كان محرًج عليً اللعب بالطين والتراب وكنت أكره المعجون الملون المخصص للعب الأطفال ورائحته.
جسدي كله تحت الماء فيما عدا رأسي وركبتاي. فطول الحوض لا يكفيني رغم أني متوسطة القامة. أرفع يدي خارج الماء بتثاقل استعداداً للنهوض فيشدً انتبهاهي إحساس إنحسار الماء عن جلدي.

ضغط الماء أكبر من ضغط الهواء فعندما تترفع ذراعي خارج الماء تسبب الخسارة المفاجئة في الضغط شعوراً غريباً بالتمدد والخفة المفاجئة.
"يعرف ضغط الماء بأنه القوة العمودية المؤثرة على وحدة المساحة التي تؤثر فيها القوة، وهناك وحدات مختلفة تستخدم في حساب الضغط، وبعض هذه الوحدات هي وحدات مشتقة مثل الباسكال التي تستخدم في نظام الوحدات الدولي، وبالتالي فإن ضغط الماء يستخدم لوصف قوة تدفق الماء في قناة أو أنبوب."1
أعود للماء
 يتبادل جسدي الحرارة مع ما يحيطه وبما أن الحرارة تنتشر ببطء بين جزيئات الماء مقارنة بانتشارها بين جزيئات الهواء. تتحرك ذراعي خارجاً وينفضً عنها الماء الدافئ و يتعرض جلدي جلدي للهواء البارد.
"تقدًر الناقلية الحرارية للماء بـ 0,6 واط/متر/كلفن بينما تقدًر الناقلية الحرارية للهواء بـ 0.025 واط/متر/كلفن"2
أعود للماء
ذات يوم تمدًد أرخميدس في حوض استحمامه و استنتج مبدأه الفيزيائي الشهير بينما اتكاسل أنا عن الخروج نحو الخفًة. 
" تساوي قوة الطفو وزن السائل الذي يزيحه الجسم عند غمره"3

أعود للماء.
لو أن كل مادة صلبة حولي فقدت لونها وأصبحت شفافة  فسأبدو كجسد عاري مسجون في فقاعة متطاولة من سائل زهري ممزوج  بذرات لامعة. فقاعة متعلقة في الهواء تحت الشمس على ارتفاع أربعين متراً عن سطح الشارع . يبدو ذلك عال جدًا ولن يستطيع أحدهم تمييز ملامح هذا الجسد وأوسمته.
أو قد أبدو كيرقة مدفونة في حجر شفاف ملون. كريستالة كتلك التي تدعوني قارئة التاروت للتأمل فيها واستحضار السؤال الذي يعذب روحي و" اضمر عليها" حيرتي و قلقي.

في محاولة جديدة أرفع ذراعي خارج الماء لكن هذه المرة لاختبار شعور انحسار الماء. أرفعهمامعاً خارج فقاعة الماء. أبعثهما للخلاء. ثم أستردهما.  
كرّة ثانية
أدفعهما خارج الفقاعة حيث تحدثان في سطحها الساكن ثقبان دائريان ،يتوسع الثقبان وتتشكل أبعادهما بحسب المقطع العرضي لذراعي. يرافق ذاك شعور ما. شعور العريً. العريً مع البرودة مع الثقل.

أعيدهما تحت الماء وأفكر في احتمالية بقائي في مياه الحوض للأبد ثم تتداعى أفكاري نحو فقاعتي الأخرى التي أحاول الخروج منها منذ سنوات. فقاعتي الملونة اللامعة التي دفنتني عائلتي فيها . الزواج، البيت الواسع، الأبناء، السمعة. حجر رخيص لامع تضغط ذراته على مسام روحي فتكاد تخنقه.

المصادر:
1-
2-
3-

الثلاثاء، 2 يونيو 2020

يا نصيب

أنقر على وسم يوتيوب ثم اختار سريعاً من بين الاقتراحات المعروضة أمامي بتنوع مريب. بين وثائقيات تاريخية فرنسية و سلسلة برنامج تحقيق جنائي أميركي وقراءات تاروت لخبيرات روحيات مختلفات وأفلام عربية قديمة تتنوع القائمة أمامي رغم أنها لا تحوي كل اهتماماتي ذلك أني استعمل وسائط متعددة. 
اختار فلماً مصرياً ثمانينياًفي محاولات لا تنتهي لإشباع جوعي القديم لرؤية كل ما كنت أسمع وأقرأ عنه من أفلام ومشاريع فنية لنجوم كنت أتتبع أخبارهم من غير قصد لإشباع نهمي القديم للقراءة والإطلاع ولو أنه قدر لي النشأة في بيئة فيها ثراء أكثر من ناحية الوسائط والاختيارات لكنت قرأت مجلدات الشعر العربي القديم التي لم أكن ولازلت لا أعلم عنه الكثير. 
كان الفلم بطولة النجم آنذاك محمود ياسين الذي وبالرغم من عدم اهتمام أي امرأة من عائلتي وأنا طفلة به كما كن يفعلن مع فريد الأطرش وعبدالوهاب وأحمد رمزي و غيرهم من نجوم الجيل الأقدم إلا أنهن كن يعترفن بنجوميته ولو أني اليوم أفهم أنها تكرست لأسباب لاتعود لقدراته كممثل بل لتمثيله دوراً واحداٍ طوال مشواره وهو دور الحبيب المثقف بمعايير تلك السنوات من سليل طبقة متوسطة، دراسة جامعية، شخصية كتومة هادئة، احترام وتهذيب في معاملة الإناث فلا نظرات خارجة ولا تصرف جارح. كان عريساً قبل أن يكون ممثلاً وساعده في ذلك إلى جانب طبقة صوته اختياراته الذكية أو ربما هو الحظ ليكون السنّيد لأفلام تدور كلها حول المرأة و همومها آنذاك.المرأة ابنة المجتمع القديم المحافظ التي تطلع لتعيش قدراً آخر يختلف عن قدر أمها وجدتها وإن لم تكن كل ثيم الأفلام تدور حول هذه الفكرة إلا أنها كانت تقدمها وتدافع عنها.
لكن الفلم الذي وقع أمامي كان انعطافاً حاداً للممثل الذي خفت نجمه وتراجع اسمه في سماء الفن بين النجوم الشابة الصاعدة حوله فحاول إعادة نفخ الهواء الساخن في كارييره باللجوء لأقنعة جديدة. 
وكغيره من أفلام تلك السنين بدأ فلم العربجي بكادر واسع لميدان أو شارع واسع في القاهرة وهو ما شجعني على المضي في مشاهدته فالقاهرة كباقي مدن المتوسط في تلك السنين قريبة لقلبي إذ أنها سنوات طفولتي المبكرة وكل ملامحها هي ملامح الخيال والهيام العبثي بدون أحلام أو أفكار أو مشاريع. الخيال لأجل الخيال.
تبدأ مغامرة العربجي في الفلم بشراءه لورقة بريمو والبريمو في مصر هو اليانصيب في سوريا وهو مشاريع الثراء المستحيلة لأبي وجدتي من أبي.
كانت جدتي تداوم على شراء ورقة اليانصيب ما استطاعت كلما توفرت لها بعض النقود وكانت تسميها بييه أي تذكرة بالفرنسية حيث أنها كانت معلمة فرنسية للصفوف الابتدائية. كان كل ذلك زمناً غائراً قديماً اسمع قصائص منه هنا وهناك. لم تكن تشتري تذكرة كاملة فالتذاكر كانت نباع في السوق ولم تكن تنزل للسوق بسبب ثقل قدميها بل كانت تعتمد على ابن الجيران فيشتري تذكرة يقتسمها معها.  وهو ما يؤكد لي أن شراء اليانصيب لم يكن عندها عادة قديمة بل حديثة العهد اكتسبتها لفترة محدودة بين تقلبات عديدة من مرحلة انطفاء العمر. 
كان برنامج اليانصيب موعداً جماهيرياً على التلفزيون السوري بقناته الوحيدة ولازلت اذكر ابتسامة المذيع وهو يكرر الأرقام والأطفال اليافعين وقوفاً قرب دواليب حديدة كبيرة يشدون على طرفها فتور ثم تتوقف تباعاُ تحت ضغط الثقل والاحتكاك لتظهر أرقامٌ مختلفة في فتحة وحيدة في الوجه المقابل للكاميرا في كل منها. وهو، أي الدواليب المعدنية العملاقة وآلية عملها،  ما كان يثير اهتمامي أكثر من أي شيء سواه.
ذات مساء كنت جالسة على الأرض أمام التلفاز لأن الكنبة بعيدة و أمي تشدد علينا لو رفعنا أقدامنا عليها مهما كانت أقدامنا نظيفة أو حتى من دون حذاء فكان الجلوس على الأرض يكتسب حرية كبيرة من الاضطجاع أو القرفصة أو التربّع رغم أن أمي لم تكن ترضى عن ذلك لأننا سنؤذي عيوننا بقريها من جهاز التلفزيون. إذن كنت متربعة على الأرض وبدأ البرنامج فنبهتني جدتي لضرورة متابعة النمر الفائزة ذلك أنها اشترت نصف بييه من ابن فهيمة فلان. ذكرت اسمه بالطبع لكني نسيته الآن رغم تذكري لأسماء كل من أخيه الأكبر وأخواته الفتيات . المهم أنها أعطتني طرف ورقة عليه رقم مكون من ست أو سبع أرقام و أخذت أنا دفتري لتوثيق عملي. فكنت أدون كل نمرة بحسب جائزتها. وفي نهاية البرنامج وبمقارنة سريعة وجدت أن نمرة جدتي قد فازت بمبلغ بسيط وهو ٣٠٠ ليرة سورية لكنه فوز على أية حال. لم تكن جدتي في البيت وقتها بل في زيارة لبيت أحد أقاربها الكثر. فأعلنت الخبر بلا مبالاة لكن مع احترام بالغ لأهمية الأمانة الموكلة لي لأمي التي لم تبد سروراً بل امتعاضاً لقلة المبلغ ولاقتناعها أنه لن يقلل كن همومها هماً. الاهتمام الحقيقي جاء فيما بعد من أخي الكبير الذي كان وقتها في الصفوف الاعدادية فكان بين مشكك و مهتم بهذه الوسيلة المفاجئة لربح النقود. كان عدد مجلة الدولفين الصغير وقتها، التي كان أخي يحرص على شرائها قبل أن يتوقف دخولهال للأراضي السورية، هو ١٥ ليرة للعدد الواحد وهي مجلة ترفيهية تعليمية أوروبية تترجم للعربية في بيروت مما يعني أن ٣٠٠ ليرة كان مبلغاً محترماً ليافع في الإعدادي. أما جدتي فعندما علمت فقد ملأها الأمل. هذا الأمل كان يتجسد في لمعة في العيون الفضية و تنبّه كبير و همّة غير معتادة ساعدتها في الصعود للطابق الثالث لبيت الجارة فهيمة وانتظار ابنها وأخيه الأكبر عند عودتهما من العمل. كان قد أخذت دفتري معها كدليل إثبات بينما لم تطلب أن أرافقها أنا التي كنت شاهدة ملك. بصراحة لم استشغ وقتها طلب الصعود لبيت الخالة فهيمةالذي برغم الترتيب و النظافة الفائقة كان أقرب للقبر منه للبيت برغم تعدد أفراده فقد كانت الخالة فهيمةتحكم بيتها بجبروت مقيت إذ أنه جبروت صامت بوجه متجمد الملامح خفيض الصوت حاد الكلام حديدي الأحرف. كانت الفتيات الثلاث تبدين كدمى مربوطة في أرجاء ديكور لمجلة ملونة. لا أذكر حتى أني سبق وسمعت صوت إحداهن قبل أن تحاول أكبرهن الثورة سنوات فيما بعد.
عاد أبناء فهيمة من ورشتهم وطلبت جدتي رؤية التذكرة التي كان يحتفظ بها الابن الذي نسيت اسمه وتثبت الجميع من فوز النمرة بثلاثمئة ليرة كانت حصة جدتي فيها النصف منها. 
بعد يومين في ساعة الظهر كنت جالسة في الصالون لوحدي لكن على الكنبة هذه المرة فلا إرسال في التلفزيون السوري قبل الساعة الرابعة بعد الظهر ولا راديو فالمسجلة التي كنا نملكها معطلة منذ حاول أخي الصغير تفكيكها لرؤية البشر داخلها. لا كتب ولا مجلات متاحة فقد قرأت كل قصص الأطفال القديمة و كتب القراءة أما أعداد مجلة الدولفين الصغير فقد كان أخي يتحفظ عليها في الخزانة التي كنت أموت كمداً لفتحها. دق الجرش ففتحت ووجدت ابن خالة فهيمة الشاب الصغير يبتسم بحذر ويقدم لس باهتمام حصة جدتي من النقود ثم يصعد سريعاً لبيته. كانت المرة الوحيدة التي أراه حقاً فكان دوماً كأخوته أشباحاً نسمع أسمائهم ونرى ظلالهم وفقط. 
أمسكت النقود وعددتها ثم سلمتها لجدتي حال عودتها التي صرفتها في أقل من أسبوع وعادت تشتري نصف تذاكر يانصيب لتحقيق ثروة أخرى.

الله ياخدني قديشني تافهة

كنت أود أن أبدأ النص بالحديث عن حقيقة وجود العبث في كل مكان وفي كل شىئ وفي كل التصرفات . ثم أيقنت أني إن كتبت ذلك فهو مجرد ترديد لما سبق وقرأته من خواطر محملة بالكثير من اليأس والملل. 
أحب أن أتخيل حياة هؤلاء الناس الذين يكتبون عن الظلامية والسواد والملل واليأس والحزن. أحب أن أتخيل مقدار الزيف الذي تحمله شخصياتهم وهم يتحدثون عن مرارة العيش بينما هناك من يمسح قاعدة الحمام بدلاً عنهم أو يحمل كيس القمامة الذي يحتوي قذارات هذا البائس و بقايا مخلفاته العضوية ويهبط به الدرج ويقترب بحذر من الصندوق الحديدي الأخضر الكبير متحاملاً على نفسه الجزعة من الرائحة النفاذة ومن الخوف الأزلي أن يخرج نحوه من هذه الأكوام المقلقة من الأوساخ جرذ أو قط، فيستعين بقوة ساعده و قدراته الذهنية ليرمي الكيس المحمّل ب الفوط الصحية الملوثة بجلطات دموية أو مناديل ورقية ملوثة بمخاط أو براز أو سائل منوي أو بقايا أضافر مقصوصة من أبعد نقطة ممكنة باتجاه الهدف ثم يعود أدراجه منتصراً.  
أتخيل هذا المتبرم بالحياة مضطجعاً يتفكر أي قدرٍ جعله يولد لحياةٍ يحتقرها بينما يقف أحدهم في المطبخ يعد له بعناية شديدة فنجان قهوته.
أقول هذا و يقيني أن ما أقوله و إن لم يكن صحيحاً فهو باعث على الراحة إذ يكسبني شعوراً ما بالفخر من تفاهتي و تفاؤلي الغير مبرر هاتان الصفتان اللتان لم تجلبا عليّ سوى النبذ والاحتقار من هؤلاء العميقين فهم يكتسبون الهم لأنهم فهموا عدمية أي نضال وعبثية أية محاولة فما زالوا يتفكرون في حتمية الموت وظلامية القدر بينما نرتع نحن المبتهجون كالأبقار الشبعة والخواريف الساذجة في خواء فكري وعقلي ونفسي.
أقول هذا و اعود لأعترف بأن ما أقوله ليس إلا رد فعل غير أخلاقي ولا عقلاني على الرفض السخصيّ للبعض لي. فلا كل الصامتون متشائمون ولا كل المتشائمون صامتون ولا كل المتقرفين من عيشتهم رافضون لي.
كما أنه لا يحتمل كل رفضٍ صفة النبذ الشخصي.
إلا أني ضعيفة واهنة يقتلني الحزن رغم الابتسامة البلهاء الواسعة التي تفترش وجهي.
و خنوعة صامتة يكبلني الخوف رغم ما أحكيه من أحلام ملونة.
ولربما تراني أحسدهم، هؤلاء القادرون على التعبير عما يسكن في صدري من خوف ويأس وعدم اتزان.
أود التخلص من كل ذلك لكن أليس هذا أيضاً حلم وأمل؟ أتراني في محاولتي لفهم وشرح  ما أمقته في نفسي إنما أغذي الأمل والحلم بتغييره وبأن أصبح أفضل فلا يرفض حبي أحدهم أو يتعالى الآخر علي ويسخر مني؟
 

الأحد، 9 فبراير 2020

عزيزتي أنا

لم أكذب يوماً

قبل الثالثة والعشرين، كنت أتعامل مع الكذب كشر مطلق.  كخطيئة. كعلامة على عصيان الرب واحتقار ابناءه. وأنا كنت أحب أبناء الرب. كلهم. كنت احترم روح الرب فيهم وكنت أشفق كثيراً وأصفح لحد السذاجة. كالمجذوبين البسطاء بابتساماتهم الطفولية كنت أقابل الناس و أتواصل معهم لإني كنت أحب الرب.
حتى خذلني
وقتها حاولت التمسك بحب ابناءه فخذلوني هم أيضاً 
اجتزت سنتين من الإكتئاب الشديد، قضيت بعضها في مستشفيات دولة وسخة و مقيتة. وقتها كرهت ابناء الرب. احتقرتهم. وكرهت سذاجتي و بدأت، بدأت النظر للحياة بتعقل وبتواضع. من أنا حتى يهتم الرب بمحبته؟ لست سوى حبة رمل صغيرة لا وزن لها. هؤلاء البشر من حولي أيضاً ليسوا سوى حبيبات رمل تافهة، ساذجة. لذا فلم الإهتمام بهم وبشؤونهم وبمشاعرهم ولمصائرهم..

من يومين تلقيت اتصالاً من ديروثي، موظفة المشتريات التي عملت في مكتبنا لبضعة أشهر قبل أن تقرر العودة لبلدتها في الشمال... قبل أن تنفصل عن صديقها... قبل أن "تقع في غرامي" كما تحب أن تقول.. فتاة لطيفة، مغرورة نوعاً ما، ومضطربة الهوية رغم محاولاتها لإخفاء ذلك. شعرت بـ... دعونا نقول "حساسيتها"، ثم وفي محاولة لإلهاءها عن خطأ كنت قد ارتكبته في أحد الأوراق، اضطررت لاصطناع حديث طويل ملتو. كل ما كنت أريده هو إعادة ملء تلك الاستمارة اللعينة بتاريخ الإسبوع الماضي. هفوة بسيطة لن تكلف أحد شيئاً كما أن عدم تصحيحها أيضاً لم يكن ليسبب أزمة لكني أحب أن تكون كل الأوراق والإستمارات منظمة و متناسقة. نزعة بوريتانية لتنظيم الأشياء مادامت حياتنا مضطربة متهاوية.
يبدو أني انحرفت قليلاً في كلامي لأجدها تقترح عليّ التسوق معاً، ثم، تورطنا شيئاً فشيئاً في علاقة حب أفلاطونية حيث اضطررت الادعاء أني كاثوليكية متدينة تجنباً لأي تطورات غير مريحة. 
لا أدري متى ستكتشف أن "حبنا" لم يكن سوى وهم، لكنه أمرٌ لا يعنيني كما أني لا أسعى لمنع حدوثه. ذلك أنه، أي هذا الحب، هو شأنها، خاصتها، حلمها. حكايتها هي، التي لعبَت فيها دور البطولة ولم أكن أنا سوى كومبارس لتخرج هي من شرنقتها، من حياة الفتاة المثالية ابنة الطبقة المتوسطة ذات الأصول البروتستينية التي كانتها. لربما كنت حجرة عثرة هدمت كل الزيف الذي كانت تعيشه و تحررت منه. وهاهي هناك في إحدى بلدات الكاسبيزيه الباردة تحاول توظيب أمورها لـ "نبني مشروعنا ". أما أنا فأتابع عملي المقيت في توظيب الأوراق والاستمارات اللعينة . كما أقوم بتوظيب أوراق انشاء الاستراحة "مشروعنا" كما تحب تسميته. 

ديروثي الساذجة قد لا تتحمل الحقيقة، ولكن ما الداعي لأن تعرفها أصلاً؟ ما الداعي أن تعلم أني مخطوبة لسمير نجار، الشاب اللطيف الذي احتفلت معه منذ اسبوع -عبر انستجرام- باستلامه أوراق اقامته في السويد؟ ما الداعي لأن تسمع عن علاقتي المزعجة المتقطعة مع جي سي موظف المبيعات؟ 
ما الداعي لأن يعلم جي سي بحكايتي مع ديروثي أو بخطوبتي لسمير؟ ما الذي سيجنيه وهو الذي اعترف لي بنفسه بأنه مضطرب العلاقات العاطفية و لا يعلم إن كان يحبي أم يتسلى؟
ما الداعي لأن يعلم سمير اللاجئ في تلك البلاد الباردة بعيداً عن أهله و أصدقاءه بأنه بالنسبة لي ليس سوى معرفة لطيفة عبر النت؟ معرفة تطيب لي مزاجي في نهاية يوم العمل و تحمل لي الكثير من اللطف و المرح الذي افتقده منذ هجرتي لمجتمع لا يعرف فيه أبناءه شيئاً عن ذكرياتي في بلادي ولا عن مسلسلات الأطفال التي تربيت عليها ولا مسرحيات العيد ولا أفيهات مسرح مصر الذي لا نعلم عنه شيئاً سوى أفيهاته؟
أنا لم اقترح شيئاً ولم ألزمه بشئ. هو من عرض الخطوبة . هو من قبل بكل شروطي و ساوم كل اعتراضاتي و في أخر الأمر اضطررت للصمت و قبول اقتراحه. رافةً به؟ شفقة؟ لا .. الحقيقة أني تعلمت أن لا شئ يبقى على حاله و أنه لا محالة ستنتهي أحلام سمير بشكل ما. قد يتعرض لرفض طلبه من قبل السطلات السويدية. قد يضطر للعودة للأردن حيث يسكن أخوه و عائلته. قد لا تقبل عائلته بي. أو قد يلتقي بفتاة أخرى. الكثير من الاحتمالات التي تجعل من مسألة رفضي وقبولي مسألة ثانوية غير مؤثرة  في مسار الأحداث. لذا لم أعط الأمر أكثر مما يستحق و قبلت بعرضه مادام ذلك يجلب السعادة له والمرح والراحة لي . 
لا قدرة لي على تغيير شيء ولا تأثير لي في أي شيء كما أن الأيام تسير بمنطق خاص بها لا يعلمه أحد ولا يستطيع التحكم به أحد... أما أحلام هؤلاء الناس ؟ ديروثي، سمير، جي سي، مانو ، فادي؟ فالأيام كفيلة بهدمها و تشويهها. لن أقوم أنا بذلك.