expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

الأحد، 9 فبراير 2020

عزيزتي أنا

لم أكذب يوماً

قبل الثالثة والعشرين، كنت أتعامل مع الكذب كشر مطلق.  كخطيئة. كعلامة على عصيان الرب واحتقار ابناءه. وأنا كنت أحب أبناء الرب. كلهم. كنت احترم روح الرب فيهم وكنت أشفق كثيراً وأصفح لحد السذاجة. كالمجذوبين البسطاء بابتساماتهم الطفولية كنت أقابل الناس و أتواصل معهم لإني كنت أحب الرب.
حتى خذلني
وقتها حاولت التمسك بحب ابناءه فخذلوني هم أيضاً 
اجتزت سنتين من الإكتئاب الشديد، قضيت بعضها في مستشفيات دولة وسخة و مقيتة. وقتها كرهت ابناء الرب. احتقرتهم. وكرهت سذاجتي و بدأت، بدأت النظر للحياة بتعقل وبتواضع. من أنا حتى يهتم الرب بمحبته؟ لست سوى حبة رمل صغيرة لا وزن لها. هؤلاء البشر من حولي أيضاً ليسوا سوى حبيبات رمل تافهة، ساذجة. لذا فلم الإهتمام بهم وبشؤونهم وبمشاعرهم ولمصائرهم..

من يومين تلقيت اتصالاً من ديروثي، موظفة المشتريات التي عملت في مكتبنا لبضعة أشهر قبل أن تقرر العودة لبلدتها في الشمال... قبل أن تنفصل عن صديقها... قبل أن "تقع في غرامي" كما تحب أن تقول.. فتاة لطيفة، مغرورة نوعاً ما، ومضطربة الهوية رغم محاولاتها لإخفاء ذلك. شعرت بـ... دعونا نقول "حساسيتها"، ثم وفي محاولة لإلهاءها عن خطأ كنت قد ارتكبته في أحد الأوراق، اضطررت لاصطناع حديث طويل ملتو. كل ما كنت أريده هو إعادة ملء تلك الاستمارة اللعينة بتاريخ الإسبوع الماضي. هفوة بسيطة لن تكلف أحد شيئاً كما أن عدم تصحيحها أيضاً لم يكن ليسبب أزمة لكني أحب أن تكون كل الأوراق والإستمارات منظمة و متناسقة. نزعة بوريتانية لتنظيم الأشياء مادامت حياتنا مضطربة متهاوية.
يبدو أني انحرفت قليلاً في كلامي لأجدها تقترح عليّ التسوق معاً، ثم، تورطنا شيئاً فشيئاً في علاقة حب أفلاطونية حيث اضطررت الادعاء أني كاثوليكية متدينة تجنباً لأي تطورات غير مريحة. 
لا أدري متى ستكتشف أن "حبنا" لم يكن سوى وهم، لكنه أمرٌ لا يعنيني كما أني لا أسعى لمنع حدوثه. ذلك أنه، أي هذا الحب، هو شأنها، خاصتها، حلمها. حكايتها هي، التي لعبَت فيها دور البطولة ولم أكن أنا سوى كومبارس لتخرج هي من شرنقتها، من حياة الفتاة المثالية ابنة الطبقة المتوسطة ذات الأصول البروتستينية التي كانتها. لربما كنت حجرة عثرة هدمت كل الزيف الذي كانت تعيشه و تحررت منه. وهاهي هناك في إحدى بلدات الكاسبيزيه الباردة تحاول توظيب أمورها لـ "نبني مشروعنا ". أما أنا فأتابع عملي المقيت في توظيب الأوراق والاستمارات اللعينة . كما أقوم بتوظيب أوراق انشاء الاستراحة "مشروعنا" كما تحب تسميته. 

ديروثي الساذجة قد لا تتحمل الحقيقة، ولكن ما الداعي لأن تعرفها أصلاً؟ ما الداعي أن تعلم أني مخطوبة لسمير نجار، الشاب اللطيف الذي احتفلت معه منذ اسبوع -عبر انستجرام- باستلامه أوراق اقامته في السويد؟ ما الداعي لأن تسمع عن علاقتي المزعجة المتقطعة مع جي سي موظف المبيعات؟ 
ما الداعي لأن يعلم جي سي بحكايتي مع ديروثي أو بخطوبتي لسمير؟ ما الذي سيجنيه وهو الذي اعترف لي بنفسه بأنه مضطرب العلاقات العاطفية و لا يعلم إن كان يحبي أم يتسلى؟
ما الداعي لأن يعلم سمير اللاجئ في تلك البلاد الباردة بعيداً عن أهله و أصدقاءه بأنه بالنسبة لي ليس سوى معرفة لطيفة عبر النت؟ معرفة تطيب لي مزاجي في نهاية يوم العمل و تحمل لي الكثير من اللطف و المرح الذي افتقده منذ هجرتي لمجتمع لا يعرف فيه أبناءه شيئاً عن ذكرياتي في بلادي ولا عن مسلسلات الأطفال التي تربيت عليها ولا مسرحيات العيد ولا أفيهات مسرح مصر الذي لا نعلم عنه شيئاً سوى أفيهاته؟
أنا لم اقترح شيئاً ولم ألزمه بشئ. هو من عرض الخطوبة . هو من قبل بكل شروطي و ساوم كل اعتراضاتي و في أخر الأمر اضطررت للصمت و قبول اقتراحه. رافةً به؟ شفقة؟ لا .. الحقيقة أني تعلمت أن لا شئ يبقى على حاله و أنه لا محالة ستنتهي أحلام سمير بشكل ما. قد يتعرض لرفض طلبه من قبل السطلات السويدية. قد يضطر للعودة للأردن حيث يسكن أخوه و عائلته. قد لا تقبل عائلته بي. أو قد يلتقي بفتاة أخرى. الكثير من الاحتمالات التي تجعل من مسألة رفضي وقبولي مسألة ثانوية غير مؤثرة  في مسار الأحداث. لذا لم أعط الأمر أكثر مما يستحق و قبلت بعرضه مادام ذلك يجلب السعادة له والمرح والراحة لي . 
لا قدرة لي على تغيير شيء ولا تأثير لي في أي شيء كما أن الأيام تسير بمنطق خاص بها لا يعلمه أحد ولا يستطيع التحكم به أحد... أما أحلام هؤلاء الناس ؟ ديروثي، سمير، جي سي، مانو ، فادي؟ فالأيام كفيلة بهدمها و تشويهها. لن أقوم أنا بذلك.











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق