expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

الجمعة، 10 يناير 2014

غُصن لافاند 2


أخيراً خرج الموكب من الغرفة و هم يؤكدون لها التعليمات المعتادة و ضرورة وجود أحد من اقارب المريض في المشفى ليتابع اي اجراءات مستعجلة. 
كانت تهزّ رأسها موافقة و هي تعاين الرجل على السرير المتنقل. 
لم يكن أباها
لم يكن يشبهه و لم تكن تعرفه
كان كومة من العظام و الجلد المجعد و الشعر الكثيف
كان جثة تتأوه 
جثة تبصق على الحياة المعلّقة 
عادت تنظر حولها بعد أن ذهبوا و هي تعاين جحيمها. كانت رائحة البراز المختلطة بالادوية و ماء الجافيل الحارق قد تجذّرت في شُعبها الهوائية فعادت بألية و برود و سرعة تنظف و ترمي و تملأ الاكياس السوداء ثم دخلت تستحم ثم رمت كل الاكياس في مكبّ الزبالة ثم عادت للشقة تأخذ حقيبتها.
عندما خرجت و بينما تقفل الباب ورائها كان هناك واقفاً أمامها ينظر مباشرة نحوها. كان ثلاثيني قدّرت في نفسها منذ رأته أول مرة في المصعد منذ حوالي الشهر. كان عربياً أيضاً هذا أكيد و كان في كندا من فترة طويلة لأنه تصرف كعادة الكنديين من أصول عربية حين يلتقون بالعرب الفريش الذين لم يعتادوا بعد أجواء الكآبة و الوحشة فيتجاهلونهم ببرود و جلافة و الكثير من التعالي.
كان هنا واقفاً يتهيأ الدخول لشقته. 
لا تدري ما الذي جعلها تبقى واقفة للحظات أمام باب شقتها. 
هل كانت تنتظر أن يسلمّ عليها ؟
هل كانت تنتهز الفرصة لتقف أكبر مدة ممكنة أمامه؟ 
المهم ان المشهد انتهى بسرعة عندما أدار أخيراً مقبض الباب حيث كانت يده فقررت هي الابتعاد بسرعة و خيلاء نحو المصعد.
خيلاء 
أية خيلاء؟
عاينت وجهها الشاحب و شعرها المربوط الرطب و ملابسها الواسعة في مرآة المصعد الكبيرة. عاينت حياتها السقيمة من دون أهل و لا أصدقاء. عاينت حرمانها.
توقف المصعد و دخلت فيه مدام لافواه. كانت لطيفة هذه السيدة. سلمت على إيمان و سألتها بشفقة:
- هل الاسعاف كان هنا من اجل ابيك؟
نعم, ردت عليها ايمان و رغم كرهها لإعادة نفس الحديث عن المرض و المستشفى و الصبر و الحياة إلا ان تربيتها لم تكن تسمح لها إلا بسماع كلمات المواساة باحترام و ودّ. كانت لا تزال بنت ناس - كما كان يردد أباها و أمها لتحذيرها من التصرفات السيئة- رغماً عنها و لم تنفع غربة  السبع سنوات في تغييرها. 
أخيراً خرجتا من المصعد في الدور الارضي و استدارت مدام لافواه نحو البوابة الرئيسية حيث ينتظرها زوجها بينما كادت إيمان أن تتوجه لقبو الكراج قبل أن تتوقف و تسأل مدام لافوه بحرج:
- هل تظنين ان هناك رائحة غير مستحبة في ملابسي؟ قبل أن تضيف شارحة, لقد نظفت كل شئ لكني أخاف ان تعلق الرائحة بيّ. 
كان هذا أكبر همومها حالياً. ان تبقى رائحة القذارة عالقة بها فتتجنبها الممرضات و المرضى.
نظرت نحوها جوزلين لافواه بعينيها الزرقاوتين المملؤتين ماءاً وقالت لها و قد اراحت يمينها على ذراع إيمان:
- عزيزتي, انت غصنٌ من اللافاند الناعم . 
طوال الطريق بسيارتها نحو المشفى بقيت إيمان تردّد  العبارة الجميلة:
 Tu es un doux épis de lavande doux 


لماذا لم يقل لها هذه الجملة أحدهم؟
لماذا لم يقلها شاب و هو يحدق في عينيها؟
لماذا لم يسلّم عليها ذاك الجار المتعالي؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق