expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

الخميس، 9 يناير 2014

غصن لافاند1

فَتحَت باب الشقة ببطء لتصعقها رائحة مقرفة فأغمضت عيناها لحظة. 
هي لم تعتاد الاسئلة و البحث عن الاجابات لكن الاسئلة اعتادتها..
هل أغمضت عيناها في محاولة لتثبيت اللحظة التي سبقت فتحها لباب الشقة في محاولة لملئ العقل بشئ أخر غير القرف الذي يواجهها في الداخل؟
هل اغمضتهما في محاولة للثبات و لمّ أطراف ما تبقى لها من شجاعة ؟
المهم أنها دخلت و أغلقت الباب بسرعة ثم توجهت نحو المطبخ حيث شغّلت على أقصى سرعة مروحة الشافط الهوائي المثبتة فوق الفرن. وضعت حقيبتها و معطفها على كرسي المطبخ و دون أن تخلع بوطها الثقيل توجهت للحمام لتشغّل مروحته أيضاً ثم ارتدت كفوفاً بلاستيكية طويلة و وضعت كمامات و أخذت لفافة مراحم ورقية كبيرة و أكياس فارغة من خزانة الحمام ثم توجهت لغرفة أبيها المريض حيث مصدر الرائحة. بدأت بسرعة و بشكل عملي تدربت عليه طوال الاشهر الاخيرة من انحدار صحة ابيها في فخ المرض اللعين الذي ينهش أحشاءه.
كان اباها مستلقي بشكل سئ على سريره و كان يئن. لم تنظر نحوه و لم تسأله. كانت قد حفظت المشهد. لقد قام ليتوجه للحمام فإذا بجسده يخدعه و يقذف بما تحتويه أحشاءه النتنة على ارضية الغرفة. 
في الاسابيع الاولى لتداعيات مرضه كانت تحاول التهوين عليه بينما تخونها دموعها و نفسها و هي تمسح الارض المتسخة سواء بالقئ او غيره.. بعد مدة فقدت القدرة على البكاء لانها فقدت القدرة على الاندهاش و المفاجأة و بقيت تمسح بصمت. منذ شهر بدأت تشتم حيث تشغّل التلفاز على اعلى صوت و تدخل غرفتها و تزعق شاتمة بالانكليزية حتى لا يفهمها.
بعد أن قامت بالتنظيف الاولي و رمت كل شئ حتى قفازاتها في كيس اسود كبير احكمت اغلاقه غسلت يديها و توجهت للتلفون تتصل بالاسعاف ثم عادت تردي قفازات جديدة و اخذت هذه المرة قارورة سائل بخاخ مضاد للجراثيم و عادت للغرفة من جديد.
بدأت تمسح بعصبية و انفعال.
هذا الرجل المتعجرف الذي يرفض وضع حفاظات مخصصة لحالته و يرمي بها و بنفسه في جحيم المرض و قرفه و كآبته. هذا الرجل الذي لم يحبها يوماً. هذا الرجل الذي كان ينتظرها صبياً يعانده و يهجره. هذا الرجل يعارض منطق الاشياء و سنّة الحياة و يرفض و يرفض و يرفض.
- شيت اوف ذه ***
أفلتت شتيمة. كانت تشتم بالانكليزية ليس لانها تخاف ان يفهم بل لانها كانت تقرف الشتم بالعربية. لقد تربت و ترعرت بطريقة كانت فيها كلمة كلب او اخرس تعتبر شتيمة. كثير من الشتائم المخجلة لم تعرفها الا هنا في مونتريال من أشخاص أجانب تعلموها بدورهم من عرب و كانوا يقولوها لها على سبيل المزاح:
- انظري نحن نتكلم العربية ثم يتلفظون الكلمة القبيحة فتشتد اعصابها و تعلو الحمرة وجهها الاسمر الناعم.
عادت لتفتح كيساً أسوداً جديداً و ترمي فيه كل شئ ثم قامت بغسل يديها و لبس قفازات جديدة و البدء الان بعملية تغيير ملابس الاب. 
وصل المسعفون. 
كانا شاباً في مقتبل العمر وسيماً طويلاً و امراءة شقراء متوسطة الطول و العمر. المرأة كانت تبدو أكثر صلابة و خبرة من الشاب الذي كان يسمع لتعليماتها بانتباه شديد. 
سألاها الاسئلة المعتادة فاعطتهم ملفاً فيه كل اوراق ابيها و عندما نقلا المريض من فوق سريره الى السرير النقّال المخصص الذي احضراه, قامت فوراً بسحب الملاءات و الاغطية و لفها ثم اتجهت لترميها كلها في الكيس الاسود.
منذ فترة اعتادت ذلك بعد ان قرفت غسيل ملاءات قذرة تبقى رائحة العفن عالقة بها.
كان أباها يئن و هو شبه غائب عن الوعي فنادتها المراءة المسعفة: 
- ما الذي يقوله؟
وقفت لحظة تركزّ أخيراً فيما يهذيه أبيها ثم ردت:
- سميرة. إنه ينادي على أمي.
- هل من الممكن ان تطلبي منها الحضور؟ لربما يودّ قول شئ لها. اقترحت المسعفة فنظرت إيمان لوجه السيدة الجميلة أمامها ثم رددت ببلاهة:
- أمي متوفية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق