expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

الجمعة، 24 يناير 2014

طُرقُ الروح 1

بقي أسبوعاً كاملاً يحاسب نفسه على تخاذله.
كانت في حضنه و قد لفّها بذراعيه و هو يستنشق شعرها الناعم المحتفظ الذي لازال يحتفظ بشئ من أريج التفاح. تنبّه إلى ان اصول شعرها فاتحة و ان الاسود ليس سوى صبغة. عندما رفعت جبينها كان قد مال برأسه للأمام ينتظر لقاء نظراتهما لكنه تفاجئ بدموعها و رجفة شفتيها. كانت تبكي بصمت طوال تلك اللحظات. الدهشة التي أصابته جعلته يثبت دون حراك فلم يتدارك الموقف قبل ان تنفلت من حضنه و تبتعد ماسحة وجهها بكفيها وتشكره.
ذلك المساء كان قد وصل الطابق الرابع صاعداً الدرج متفادياً بذلك المصعد الذي دخلته ماري و ابنها. كان يتفادى الحديث أو لقاء أياً من الناس منذ وصوله الشارقة. كانت المرارة قد سكنته منذ خروجه من القاهرة هرباً و قتلت فيه القدرة على المجاملة و الكلام مع الناس.
كانت تانيا هي أول من حادثته في البناية بل في عمّان كلها عندما كان يحاول فتح باب شقة عمّته فتقدمت منه حاملة في حضنها  قطتها الشيرازي الرمادية و سألته بلهجة شامية عن ابن عمّه وائل:
- كيفو وائل؟ خلّص الدكتوراه بألمانيا؟
وقتها ردّ عليها بأدب و تجاذب معها أطراف الحديث ليكتشف بعد ذلك و من وائل نفسه انه لا يعرفها و لا تعرفه مما جعله يتفاداها بلؤم واضح و لا يردّ سلامها حتى جاءته ذات صباح بكنكة القهوة و صينية و فناجين تشرح له الموقف بودّ و لطافة و لهجة مصرية هذه المرّة :
- انا سمعت على وائل من ماري اللي ساكنة تحت أصلنا صحاب و هي بتحب تتكلم دايماً في حواديت الناس فتقريباً انا زي ما اكون عارفة كل اللي سكنوا العمارة من يوم ما سكنت ماري و لمن شفتك قلت اسلم عليك.
ثم بهدوء غريب و أريحية غير اعتيادية دخلت و جلست في الصالون و صبت القهوة و بدأت تحادثه كصديق قديم:
- بابا سوري و ماما رومانية بس عشنا في الكويت, ثم أردفت تنصحه, متخافش هما هناك في القاهرة هينسوك بعد كام يوم و يشتغلوا بحكاية تانية, اهم حاجة انك ما تسكتش زي اللي عِمل عاملة, لازم, استنى- توقفت قليلاً تفكر ثم صححت- لزمن تتكلم مع حد من الجرايد او الناس اللي تعرفهم.
هو لم يردّ بكلمة و بقى يدخن سجائره و هو يراقبها بتوجس و فضول. ادهشه معرفتها الكثير عنه و عن سبب لجوئه لعمّان بعد الضجة التي ثارت حوله هناك, في القاهرة حيث كانت حياته منظمة و ناجحة منذ بضعة اسابيع. 
بذات الهدوء و الاريحية و كالعادة من دون أن يسألها حدثته عن عملها, تبييض اموال, تهتم بفتح الحسابات هنا بينما زوجها يقوم بكل شئ في كييف.
- على مستوى صغير إحنا مش كبار لأن الكبار ليهم شغل لوحدهم إحنا بنشتغل على المبالغ الصغيرة, أنا شغلي هنا اني اتابع حساب البنك أول بأول و بس.
ابتسم, كانت مسليّة هذه البلقانية بعينيها الصغيرتين و اسنانها المتباعدة.
عندما التقط علبة المالبورو ليسحب منها سيجارة جديدة,تذكر انه لم يضايفها فمد يده بالعلبة نحوها:
- انا ما بدخنش من اكتر من عشر سنين, بس هاخد واحدة و انفخ شوية.
بعد تلك الصبحية الغريبة, بقيا لفترة يتبادلا التحية و في أحيان بعض الكلمات قبل ان يتآلف مع قطتها تاكي التي كانت تحوم في ارجاء البناية كلها فتقترب منه حالما يناديها ليأخذها بين ذراعيه و يصعد بها إلى شقة تانيا:
- إنت هتفضلي أم مهملة لحد إيمتى ؟ مازحها ذات يوم لكنها لم تضحك بل بقيت تنظر نحوه ببلاهة و حزن ليتذكر ما قالته عن ابنيها الذين يعيشان بعيدا عنها في تورنتو كندا مع امها. هناك في تورنتو كندا حيث الحلم ان تجتمع عائلتها الصغيرة يوماً.

ذلك المساء حين وصل الطابق الرابع و مرّ قرب باب شقتها و سمع صوتها العالي قادماً من الداخل على غير عادتها  توقف و اقترب يسترق السمع. كانت تتشاجر و تصرخ بالرومانية و كان ثمة من يردّ عليها لكنه لم يستطيع تمييز الصوت البعيد إن كان لرجل أو امرأة.
بدأ صراع في داخله : أيعدل عن وقفته و يدخل شقته أم يطرق الباب و يقدم لها المساعدة. لم يكن من النوع الذي يقدم هكذا مساعدات او يهتم بمشاكل الاخرين الشخصية لكن الفضول الذي زرعته هذه المرأة الوديعة في نفسه كان أقوى من عاداته بالاستهانة.
اخيرا اقترب و دقّ الجرس فتوقف صراخها لكنها لم تفتح. لم تفتح لكنه عاود رن الجرس, مرة اثنين و ثلاثة و هو يترك بين كل رنة و اخرى فاصلاً لتناقش نفسها .
أخيراً فتحت الباب بوجهها الطبيعي و وقفتها الاعتيادية و عيناها. عيناها كانتا الوحيدتان اللتان وشيتا بالكرب و الغضب الذي سبب كل ما سمعه. لذا و من دون مقدمات دفع الباب بهدوء و دخل ينظر حوله باحثاً.
عندما لم يجد أحداً نظر إليها و سألها :
- تانيا ؟ في إيه؟
تانيا لم ترد و لم يكن يبدو أنها ستردّ.
لابد ان المشكلة كانت كبيرة لدرجة جعلت هذه الرغّاية تصمت و ترفض الحديث
اقترب اكثر و هو يعلم تماماً أنه يقع في الفخ أكثر و عاد يسأل بعتب و إصرار:
- تانيا ؟ مالك في إيه؟
عندها اشاحت بوجهها هاربة قبل ان تتوقف و تعود مندفعة نحوه لتخفي وجهها على كتفه.
احتضنها بلطف للحظات بدت له أزليّة

هناك 5 تعليقات:

  1. هو في فلاش باك بالموضوع , و لا الأمور اختلطت عليا ؟؟

    بغض النظر ,
    قصتك - كالعادة - تحفة :)

    ردحذف
  2. فلاش باك يا طارق .....فلاش باك.....
    :))
    ازيك؟

    ردحذف
    الردود
    1. هييييييييييه , أنا ذكي تبارك الخالق !

      ----
      أنا زفت و الحمد لله :)
      وأنت أزي حضرتك صديقتي ؟

      حذف
  3. انا كنت زفت.... دلوقت قطران.....
    :)

    ردحذف
    الردود
    1. ممتاز , في تطور !
      هههههههه
      ذكرتيني بالنكتة المؤلمة :
      قالو : انقصف بيتي .. قال منيح ما تصاوبت ..
      قالو : تصاوبت ... قال منيح ما متت ..
      مات ! ... قال : نيالو,مات و ارتاح ..

      حذف