expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

الثلاثاء، 11 فبراير 2014

جدول الجنون- تامار

- لا يا جو.... أنت تناقش و تناقش لهدف واحد, انت تضيع الوقت لنتأخر عن تأكيد المشاركة ...انا احذرك ان لم تقم بالتأكيد من جهتك فسأفعل انا ولوحدي هذه المرة...
كانت تامار تنقرعلى الأي فون بسرعة و عصبية و قد ازدادت سرعة تنفسها و تلّون خداها بالغضب. مرت لحظات قبل ان يأتيها الجواب من جو و ما إن قرأته حتى قفزت من مكانها مهرولة ببلوزتها الصوف و بنطالها الباجي (بنطال قطني واسع جدا) لتهبط سلالم الدرج بسرعة و خفة و تخرج من البيت. لورا التي كانت واقفة في الممر قرب باب غرفة الاخ الاكبر دخلت غرفتها سريعاً لتراقب من شباكها الذي يطل على الشارعما يحدث .
كانت درجة الحرارة 10 تحت الصفر لكن ذلك لم يكن ليثبط من عزيمة هذه الفتاة الواهنة ذات الاعوام السبع عشر. ركضت تامار كالسهم في اتجاه الشارع الرئيسي و توقفت هناك تنتظره. لم تكن تريد ان يسمع الوالدين حديثها. لم يكن يجب ان يعرف احد بالامر الأن.
مرت دقيقتان من الهزيمة المرّة لشتاء مونتريال القارس أمام إصرار هذه الشابة.. وصل جو أخيراً و هو يقود سيارة أبيه الجيب و بصعوبة لا تقلل من مهارته أوقف السيارة المسرعة قرب تامار رغم طبقات الثلج و الجليد المحبطة لأي محاولة للاتقان.
الصبية الغاضبة بقيت تنظر بعصبية لحبيبها و قد اخفت كفاها المتجمدين في جيوب بنطالها, اخيراً أطلّ جو برأسه :
- ألن تركبي؟ سألها مندهشاً
- لا, لا يوجد شئ لنتحدث به...قالت لينزل من السيارة بعد تردد و يقترب منها على الرصيف :
- تامار, لن تنفع عصبيتك في شئ, قال الشاب هادئاً في محاولة لإقناعها, حتى لو قررنا تأجيل الدراسة الجامعية فإنه يتوجب علينا انهاء السيجيب (مرحلة تعليمية بعد الثانوي و قبل الجامعة تستغرق سنتين), انت لا تقدرين صعوبة تكميل دراستك بدون سيجيب..
- جو, صرخت تامار مقاطعة للرجل الواقف أمامها و الذي لا تصل حتى لأكتافه, توقف عن الكذب, هل تحسبني لا اعلم بماذا تفكر؟
- حبيبتي,... لم يكمل لأنها قاطعته من جديد:
- لن ينفع ما تقوله, لقد قررتُ يا جو, انت تعلم ما يعني هذا الامر بالنسبة لي, انت تعلم انهم اختارونا من بين الألاف حول العالم...
- ليس بعد يا تامار هناك تصفية نهائية, قاطعها جو منبهاً و محاولاً إيقاف اندفاعها لكنها اكملت كأنها لم تسمعه:
- علينا التأكيد على الاشتراك حظوظنا قوية..
- تامار, عاد الشاب يحادثها بلطف و هدوء كأنه يتوجه لطفلة, حتى لو تم اختيارنا فإنه يتحتم علينا ايجاد عمل و سكن هناك في لندن, ما سيدفعونه لن يكفي شيئاً هذا اصلا لو اكملوا التجربة و لم يعلنوا الافلاس و يلقوا بمستقبلنا في الشارع.
- حتى لو اعلنوا الافلاس, حتى لو لم يكتمل المشروع, عادت تامار بنفس الاصرار, يكفينا انه تم اختيارنا لتصميم لعبة مع فيليكس بيوتي بايت (مقدم البرنامج الاشهر للالعاب على الانترنت حاليا) , هل تعلم ما يعني ذلك يا جو؟ لم تكن تسأله بقدر ما كانت تحلم و عيناها تلمعان بالامل ليمسكها جو من اكتافها بلطف:
- تامار توقفي عن أحلامك التي تعبر حدود السماء, كل ما تقوليه لا يشكل ربع ما يمكن تحقيقه لو تابعنا الدراسة, سأدرس الطب يا تامار و سأتابع تخصص جراحة مثلما كنا نحلم, علينا ان نركز ...
لكن تامار أزاحت يديه من على أكتافها و هي تتهمه:
- نعم يا جو, عليك التركيز على احلام والدتك, عليك ان تتفوق على ابن عمك, عليك ان تبقى في كنف أبيك و دلاله و عليك ان تتزوج احدى قريباتك..
- اللعنة, صرخ جو اخيرا, ألا زلت تغارين من جيسي؟ ألم تفكري بحجم ما يمكن ان نخسره؟ ألا تخافين مما قد يحدث لنا في بلد غريب و بعيد؟.
- هه, جو فيلاسي انت تحدثني عن الخوف و الخسارة؟ الألم و الخوف كانا أصدقائي في وحشة غرفة مشفى القديسة جوستين, ثلاث عمليات قلب قبل أن اتمّ عامي الثاني, قضيت طفولتي في أروقة تلك المشفى الباردة الكئيبة, ماذا يمكن ان تخسر طفلة أكثر من اصدقائها الاطفال في جناح السرطان؟ ماذا يمكن أن تخسر فتاة مثلي أمها على حافة الجنون و اباها يعدّ نفسه للارتباط بصبية تصغره عشرون عاما؟ جو فيلاسي, لا شئ لي لأخسره او اخاف عليه, لو كنت تملك شيئا فهذا شأنك...
- أنا املكك تامار, انت حبيبتي و سنبقى معاً و سنبقى هنا...
- انت لا تملك حتى نفسك, و كل ما تفعله يملى عليك, أما انا فقد اعلنَت هذه الحياة حربها عليّ باكراً و أنا لا أهابها, ثم بدأت تحدثه بكل ذلك اللهب الذي يتقد في عينيها كما تفعل دوماً, سأموت يوماً أنا أعلم ذلك, لقد تعلمت التعامل معه قبل أن أتعلم الكلام,  لكن هذا اليوم لن يأتي قبل ان ألوث هذا العالم بكوابيسي و أحلامي..
قالت ذلك ثم عادت ادراجها نحو بيتها. دخلت البيت و هي ترجف من البرد و القهر و صعدت الدرج نحو غرفتها لتجد لورا و قد خرجت هذه الاخيرة من غرفتها تنظر إليها بحذر.. كم هي متطفلة هذه الفتاة, فكرت تامار بأختها التي تصغرها عامين و تزيد عليها طولا ...
- لقد ذهب, تجرأت لورا على القول بصوت خفيض..
توقفت تامار عن الحركة عند أخر درجة و هي تنظر نحوها ثم مالبثت ان بدأت تبكي. كانت تتمنى لو أن جو لحق بها يعدها بأي كذبة, كانت تتمنى لو أنه بقي في الشارع مقهوراً من تركها له, كانت تتمنى أن يحبها بصدق مثلما كان يردد لها كل يوم.
لورا كعادة الاخوات المتوترات و العاطفيات أحتظنت تامار و رتبت على كتفها و هي تقبلها من شعرها الذي لم تغسله هذه الاخيرة منذ أيام ثم قدّرت انها تمتلك من المودّة ما يسمح لها بالتكملة فسألت أختها:
- و الطفل ماذا ستفعلين به؟
رفعت تامار رأسها نحو أختها تستطلعها و قد توقفت عن البكاء:
- أي طفل؟
- أنت و جو ...؟ لم تكمل لورا
- ههههه, خرجت ضحكة خفيفة مشوبة بالحزن من فم تامار قبل ان تبتعد عن أختها و هي تمسح بطرف بلوزتها دموعها:
- ما الذي تفكرين به بحق السماء؟ ألا تعلمين ان جو ينتمي لكنيسة القديسين الجدد الانجيلية؟ ثم و قد اعتدلت في وقفتها, ما رأيك ان تتوقفي عن التجسس عن الاخرين و الاهتمام قليلا بنفسك؟ ابدأي بالبحث عن صديق ... نصحتها تامار و هي تدخل غرفتها و تغلق الباب قبل أن تقول أخيراً : و من الافضل ألا يكون شاذ هههه 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق