expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

السبت، 22 فبراير 2014

غصن لافاند 3

دخلت المشفى بتباطؤ و تقدمت نحو قسم الاسعاف غير مستعجلة. كانت قد حفظت الاجراءات و كان طاقم التمريض قد حفظ وجهها.
ما إن رأتها الشقرا, و هي ممرضة بولونية بدينة جميلة الوجه كان اباها يسميها دوماً الشقرا فيقول لها: جاءت الشقرا لتتفحص النبض قولي للشقرا فهي الطفهن, هكذا حتى نسيت اسمها الحقيقي.
تقدمت نحوها باشا الشقرا و سلمت عليها بلطف قدّرت ايمان أن يكون سببه زياراتهم المستمرة للمشفى ثم دعتها الممرضة بلطف للذهاب لحجرة رقم 216 من الطابق الثاني فاتجهت إلي حيث قالت لها بخطوات بطيئة و عندما دخلت تفاجئت انها مكتب و ليست غرفة مريض و بقيت تنتظر بهدوء و هي تعبث بهاتفها.
بعد اقل من ربع ساعة كانت باشا الشقرا و طبيبة شابة و الدكتورة لوغو المسؤولة عن قسم الاسعاف لهذا المساء امامها يشرحون لها بلطف كيف ترك أباها هذا العالم.
- انه في ثلاجة الموتى و يجب ان تمري عليهم لتعليمات الدفن..
كان عليها أن تردّ, أن  تتحدث, أن تقول اي شئ..... لكن لم تكن لديها ادني فكرة عما يجب عمله.
ما هي تعليمات الدفن؟ يوم توفت امها بحادث سير غبي و عبثي تماماً كان اباها هو من تولى كل شئ.
نظرت حولها شاردة و هي تتذكر كيف تردد ابيها في ارسال الجثة لتدفن في سوريا و في دفنها في مدافن مونتريال. تذكرت كيف قرر رأفة بحال بناته ان يدفنها حيث يعشن. تذكرت كيف اتهمه أخوالها وقتها انه فعل ذلك بخلاً و لتوفير النفقات.
عادت لنفسها و هي تجد نفسها وحيدة في الغرفة البيضاء الخالية فكرهتها و كرهت شحوب المشافي و جفاءها.
خرجت فورا نحو سيارتها دون المرور على ثلاجة الموتي و قررت ان تتصل بعمها. اولاً لانه ادرى بما يجب عمله و ثانياً لتلافي عتب زوجته التي لازالت تتمتع بنسختها السورية من سيدة مجتمع الطبقة المتوسطة التي تعبد و تحترم و تحافظ بالحرف على عادات و تقاليد و تعليمات التصرفات الجيدة ...
ابتسمت في نفسها بعد أن أغلقت الهاتف و هي تتخيل مقدار الخربطة التي داهمت بيت عمها لسماعهم الخبر . نعم, أخيراً سيكون غيرها هو الذي يقلق و يتضايق و تتنسف مواعيده و حياته الاعتيادية. كانت قد طلبت من زوجة عمها متصنعة التعب بإن تتصل باخواتها المتزوجات المتفرقات في ارجاء كندا و امريكا الشمالية.
وصلت البناء و ركنت سيارتها ثم اتجهت للطابق الارضي لتستقل المصعد. تنفست الصعداء عندما وصل سريعاً و استقلته و هي تحلم بالوصول لسريرها و الارتماء على مخدتها.
o home suite home
ها هو البيت. دخلته مرتاحة لانه نظيف و مرتب و لطيف. جلست على الاريكة و هي لم تخلع بعد البالطو الثقيل و تنقلت نظراتها في ارجاءه. لا تفهم معنى تعلقها به . كانت مراهقة يوم وصلوا مونتريال ثم اشتروا هذه الشقة. تزوجت اختاها في اقل من عامين ثم جاءت المصيبة. والدتها التي لم تقبل يوماً تعلم قيادة السيارة خوفا ًمن الحوادث ضاعت حياتها تحت عجلة سيارة و هي تقطع الشارع.
ذهبت والدتها و أخذت معها الكثير من الحياة و الحب و الالفة و وجدت نفسها وحيدة مع أرمل ستيني خشن الطباع قليل الكلام و حزين. سنوات من الصمت و العزلة و الجمود. كان عليها ان تتحمل و تتحمل و تتحمل.
نظرت حولها مبتهجة و هي تدرك كمية الحرية التي تتمتع بها. ستستطيع زيارة اقاربها بعد الظهر. ستتمكن من الخروج مع صديقاتها للسينما. ستستطيع النوم حتى ساعات الظهر أيام العطل.
كان موت والدتها صعباً لكن حياة أبيها كانت اصعب....
قامت من مكانها و اتجهت بدون قصد حيث غرفته و نظرت فيها بهدوء. كانت سعيدة من نفسها انها نظفت بشكل محى اي اثر لأية رائحة ...اقتربت من السرير العاري بدون ملاءات و لا مخدة. جلست عليه و نظرت نحوه متخيلة ابيها عليه. بحذر اقتربت برأسها من المتلا و شمتها. لا رائحة.
لا شئ....
كان اباها قد قضى ساعاته الاخيرة هنا و هو ينظر للسقف الشاحب. و هو يتخيل زوجته و ربما والدته.
تذكرت كيف كانوا جميعا يتحايلون ليخفون عنه خبر قصف المدافن في المعرّة حيث دفنت جدتها.
ترى لو قدر لها الاختيار اين ستطلب ان يدفنوها؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق