expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

الاثنين، 17 نوفمبر 2014

الجوع الاول

ليلة أخرى
ليلة متجددة
لا يزورني فيها ملاك النوم 
و تشتد فيها حاجتي للتهالك السريع
للحم 
لأكل اللحم

أهبط درجات السلم الخشبي الملساء و أنا اتسأل حول رغبتي الدائمة في استهلاك اللحوم، اللحوم الحمراء و المجففة خصوصاً
اللحوم شبه النيئة

مشهد من برنامج عالم الحيوان لضباع تجتث لحم غزال
لحم نيئ
هو اول مشهد يخطر في بالي عندما أفكر بالحاجة

الحاجة دوما تتمثل لي في مشاهد غريبة

لا 
لست مهووسة او مريضة
لا اعتقد اني كذلك على الاقل
لا اشتهي قتل احدهم او اتخيل نفسي اعذب الاخر
شاهدت منظر ذبح خروف مرة واحدة كانت كفيلة بكرهي للاعياد

لا أشاهد أفلام الرعب و اقرف متابعة الاخبار بسبب هذه المشاهد بالذات

افتح باب الثلاجة و اخرج منها مغلفاً بلاستيكياً 
اسحب منه شرائح اللحم المقدد الرقيقة
و امضغها باكتفاء 
تعنّ تفاصيل قصة قديمة قرأتها على ذاكرتي النشطة

في عام 1972 سقطت طائرة من الخطوط الجوية للاورغواي على جبال الانديز
17 شخصا من طاقم الملاحة و الركاب لقوا حتفهم فوراً 
بينما بقي 28 شخص على قيد الحياة في مكان معزول في أعالي الجبال محاطين بالثلج و البرد 
و الجوع
رغم كل عمليات البحث و بسبب الظروف الجوية القاسية لم يستطيع احد الوصول اليهم او حتى التأكد من بقائهم على قيد الحياة 
بل و فُقد الامل بالعثور على حطام الطائرة
في ذلك الجحيم الابيض حاول الناجون البقاء على قيد الحياة
و عندما بدأ الموت يقرض مجموعتهم الصغيرة كان عليهم ايجاد حل

"تلك الغريزة الازلية بضرورة إيجاد حل
تلك الزاوية المظلمة في اعماق الانسان 
الموَرثة التي تربطه بواقع كونه حيواناً و ليس ألهة
و التي تنشط فجأة و تتسلل الى عقله و روحه و وعيه 
و تقبض على إرادته
ليبقى على قيد الحياة
كلا انها ليست الامل 
انها شئ ٌ أكثر عتمةً منه"

بدؤوا يناقشون الحلول المطروحة و منها البحث عن طريق للنجاة بأنفسهم بدل انتظار الفرق البحثية
و كل هذا يعتمد على مدة احتمالهم للزمن المتبقي لانتهاء الاحوال الجوية العاصفة

"الانتظار 
الانتظار وجه من أوجه الموت"

قرروا اخيراً ان يستهلكوا لحوم رفاقهم الموتى كحلّ
أحد الذين كان ينتظر أجله و هو مستلقي على فراشه المتجمد طلب منهم ان يبدأوا بإلتهامه حالما يموت 
و بذلك يكون هناك فائدة لموته في تلك المغامرة التعسة
مات من الناجون 12 شخصاً أخر  بسبب الجوع قبل ان يستسلم الباقون لفكرة استهلاك اللحوم الأدمية المجمدة
بعد اسابيع خفت وطأة العاصفة و قرر شابان بدء رحلة فاصلة للنجاة و بعد مشي لمدة عشرة أيام كانا قد ابتعدا عن الارض الثلجية و وصلا لسفح خضر و شاهدا راعياً
بعد 72 يوما من العذابات الجسدية و النفسية و العقلية

أسأل نفسي و انا ابلع أخر شريحة لحم 
ماذا لو تعرضت لهذا الموقف؟
او تراني في ذلك الموقف فعلا؟
هل تشي تلك الحاجة الغريبة لالتهام اللحم بضعفي؟
بأزمتي؟
بعدم قدرتي على المقاومة؟
بتحكم الانسان الاول بي؟

لو صدقنا فكرة الاستنساخ, فهل تصرفي يشي بجذور ما ؟
فتات قديم من ذاكرة حيوان مفترس 
للحظة اجدني متفهمة تماما للفكرة 


هناك تعليقان (2):

  1. النص ده رائع
    :)
    خالص تحياتي

    ردحذف
    الردود
    1. اهلا يا باشا :))
      انا لسه بشوف التعليقات
      مبسوطة جدا انه عجبك
      بقالي زمان مش بدخل لاسباب تقنية شريرة
      تحياتي

      حذف